ثلاث جولات من المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين (يومي الجمعة والأثنين الماضيين وغدا الأربعاء)، هي حصيلة زيارة بعثة صندوق النقد الدولي التي وصلت إلى لبنان، الأسبوع الماضي برئاسة إرنستو راميريز ريغو، وجاءت بطلب من المسؤولين اللبنانيين، للبحث في التفاوض على توقيع إتفاق جديد على مستوى الموظفين، بين لبنان والصندوق تمهيدا لتوقيع إتفاق نهائي. بعد أن سبق للبنان أن وقّع إتفاق مع الصندوق في نيسان 2022 على مستوى الموظفين أيضا، للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لإنقاذ إقتصاد البلاد، بشرط تنفيذ 9 إصلاحات لإطلاق برنامج التمويل الممتد على فترة تبلغ 46 شهراً.
من البديهي السؤال عن سبب حماسة المسؤولين اللبنانيين لتوقيع إتفاق مبدئي جديد، بعد ثلاث سنوات من المماطلة في تنفيذ ما أُتفق عليه، وبعد كلام نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، "بأن جذب إستثمارات جديدة إلى لبنان للخروج من الأزمة، لا يجب أن يترافق بالضرورة مع توقيع إتفاق مع صندوق النقد"؟ يجيب مصدر متابع "ليبانون ديبايت" أن "حماسة الجانب اللبناني هدفها إزالة العوائق "التقنية" التي تحول دون البدء بإعادة إعمار ما خلفه العدوان الاسرائيلي، إذ من المفروض إنعقاد مؤتمر لمساعدة لبنان على إعادة الإعمار في نهاية الصيف الحالي. بمعنى أنه صحيح أن قرار إعادة الإعمار هو سياسي بإمتياز وسيتخذه المجتمع الدولي، لكنه يتطلب خطوات إصلاحية وتقنية لا بد من تنفيذها، ولذلك فإن توقيع إتفاق بين لبنان والصندوق، سيمثّل بالنسبة للدول المانحة، صمام أمام يمكن الإستناد إليه لقياس مدى تقدّم لبنان في تنفيذ الإصلاحات".
يضيف:"إعادة الاعمار يتطلب نظام مصرفي سليم يمكّن الدول المانحة متابعة مسار القروض الممنوحة، ولذلك من الضروري إقرار قانون السرية المصرفية وقانون إصلاح المصارف وقانون الانتظام المالي، الذي سيحدّد كيفيّة توزيع الخسائر المصرفيّة، مع ما يرتبط بذلك من مسائل مثل حجم الودائع المضمونة"، مشددا على أن "كلام أورتاغوس عن إمكانية جذب مستثمرين إلى لبنان من دون التوقيع مع صندوق النقد ليس هفوة منها، بل كلام صحيح إذا إتفق اللبنانيون على رؤية للحل، وعلى وضع خطة إصلاحية للخروج من الازمة وإنضباط في تنفيذها، عندها يمكن تنفيذ الإصلاحات المالية وتطوير البنى التحتية واعادة هيكلة القطاع العام أن تحوّل لبنان إلى وجهة إستثمار مناسبة لبيئة الاعمال".
ويجزم:"كل هذه المتطلبات لم تحصل منذ إندلاع الأزمة ولن تحصل، عندها لا يجد المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان والمؤسسات المتعددة الأطراف مفرا، من أن يصل لبنان إلى إتفاق مع الصندوق، كي تُقدم على مساعدته وهي مطمئنة أن الإصلاحات التي تطلبها تسير في الطريق المرسوم لها"، مشيرا إلى أن "الاتفاق لا تكمن أهميته بالـ3 مليار التي سيقترضها لبنان من صندوق النقد، بل بالمصداقية التي سيمنحها الصندوق للبرنامج الإصلاحي، وما يرافقه من إنضباط ومُهل زمنية محددة لتطبيق إجراءات محددة بالأرقام".
ويرى أن "المطلوب اليوم بالاضافة الى الإصلاحات السابقة،(9 شروط تتعلق بالقطاع المالي والمصرفي) بنود أخرى مثل إصلاح قطاع الكهرباء وتعيين الهيئات الناظمة للقطاعات (كهرباء/اتصالات/ طيران)، واعادة هيكلة القطاع العام وتجفيف الاقتصاد الموازي ومكافحة التهرب الضريبي، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتحسين أداء الشركات المملوكة للدولة، وإجراء عمليات تدقيق مالي على البنك المركزي، وتنفيذ إستراتيجية مالية جديدة من أجل استعادة المصداقية والقدرة على التنبؤ والشفافية في إطار سياسة المالية العامة".