وفي هذا الإطار رأى الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد، في حديث خاص لـ"ليبانون ديبايت"، أن لبنان يعيش مرحلة دقيقة من الترقب السياسي، وسط مشهد دولي وإقليمي غير مستقر، تتداخل فيه التحولات الكبرى في ملفات سوريا، إيران، روسيا، وتركيا، مع انعكاسات مباشرة على الداخل اللبناني.
وأوضح أبو زيد أن “الأطراف الدولية، بما فيها القوى الناشطة إلكترونيًا، تتابع التطورات وترصد التغيرات الدولية من أجل استثمارها وتثبيت أدوارها. لكن حتى الآن، الصورة لا تزال ضبابية، لا سيما أن الوضع في سوريا غير محسوم، والعلاقة الأميركية – الإيرانية لم تُحسم بعد، كما أن روسيا منشغلة في مواجهة طويلة مع الغرب، وهذه كلها عناصر تضع المنطقة في حالة ترقّب وانتظار، وتفتح الباب أمام مفاجآت”.
واعتبر أن "النمط الذي تسير به السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية لم يعد يقوم على ثوابت، بل على مصالح متحركة ومقاربات مرحلية. كنا نسمع دائمًا أن العلاقة الأميركية - الإسرائيلية هي علاقة تبعية مطلقة، لكن ما رأيناه في السنوات الأخيرة من اختلاف في الأداء بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، ثم بين إدارة بايدن والواقع الإسرائيلي، أثبت أن واشنطن لا تحكمها إيديولوجيا ثابتة، بل مصالح متغيرة تتعامل معها وفق الظروف".
وعن السياسة الأميركية تجاه لبنان، أشار أبو زيد إلى أنها "لا تزال غير واضحة المعالم"، وقال: "التبدلات السريعة، مثل تغييب مساعدة المبعوث الاميركي مورغن ارتاغوس عن المشهد فجأة، واستبدالها بشخص آخر بأسلوب مختلف، تؤكد أن واشنطن لا تملك رؤية استراتيجية ثابتة تجاه لبنان".
وتطرق أبو زيد إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت، والتي اعتبر أنها أظهرت مفارقة لافتة، وقال: "كثيرون، خصوصًا من الجانب الأميركي وبعض القوى الداخلية، كانوا يتوقعون أن تُقابل الزيارة برفض شعبي أو رسمي، وربما مواجهات أو احتجاجات. لكن الذي حصل كان عكس التوقعات تمامًا، إذ جرت الزيارة بشكل طبيعي وهادئ، والتقى الوزير الإيراني مسؤولين لبنانيين من مختلف التوجهات. وهذا يدل على أن المزاج العام لا يتماشى بالضرورة مع الرهانات الخارجية".
في سياق آخر، شدد أبو زيد على أن "الملفات المرتبطة بلبنان، كأزمة النازحين السوريين، الموقف التركي، والتموضع الروسي في أوكرانيا وسوريا، ما زالت غير محسومة، وكل هذه الملفات مؤجلة، بانتظار نضوج التسويات الدولية".
وأضاف: "خلال الصيف، غالبًا ما يتم تخفيف التصعيد وفتح المجال أمام السياحة والتهدئة الاجتماعية، لكن ما بعد الصيف قد يكون مفصلًا حاسمًا في اتجاهات عدة، خاصة إذا ما حدث تطور إيجابي في الملف النووي الإيراني. هذا الملف لا يمكن اعتباره حاسمًا حاليًا، لكنه بالتأكيد مؤثر. وإذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن انعكاساته ستكون واضحة على الساحة اللبنانية".
وحذر أبو زيد من أن "المرحلة المقبلة لا تحتمل التشرذم والانقسام الداخلي"، قائلاً: “إذا كنا موحدين كلبنانيين، يمكننا أن نستفيد من أي فرصة إيجابية ونحصّن وضعنا الداخلي. لكن إذا كنا منقسمين، فكل تطور أو تسوية قد تدفع باتجاهات خطيرة: نحو الفدرالية، أو التقسيم، أو حتى تغيير في الحدود. وهذا أمر لا يمكن التنبؤ بعواقبه".
وختم قائلاً: "لبنان في موقع حساس وسط صراعات كبرى. والخروج من مرحلة الانتظار يتطلب رؤية وطنية موحّدة، تواكب المتغيرات ولا تترك البلد رهينة الرهانات الخارجية".