رغم مرور أكثر من 14 سنة على العملية العسكرية الأميركية التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، لا تزال العديد من خيوط تلك المطاردة السرية طي الكتمان. لكن وثائقيًا جديدًا من إنتاج "نتفليكس" بعنوان "مطاردة أميركية: أسامة بن لادن"، كسر بعضًا من الصمت، كاشفًا تفاصيل دقيقة عن أطول عملية تعقّب في التاريخ الحديث.
يروي الوثائقي، المؤلف من 3 أجزاء، شهادات مسؤولين سابقين في البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، حول المجهود الاستخباراتي الذي بدأ بعيد اعتداءات 11 أيلول 2001، واستمر لعقد كامل من الزمن.
المحطة المفصلية في هذا المسار، بحسب الوثائقي، كانت تفجير قاعدة خوست قرب الحدود الأفغانية–الباكستانية. فبعدما حاولت المخابرات الأميركية تجنيد الطبيب الأردني همام البلوي كمخبر، دخل الأخير قاعدة خوسنت مدّعيًا حيازته معلومات عن قادة القاعدة، وفجّر نفسه موقعًا 7 قتلى من ضباط وكالة الاستخبارات الأميركية.
لاحقًا ظهر في تسجيل مصوّر تحت اسم "أبو دجانة الخرساني"، متوعدًا الأميركيين.
وعن هذه اللحظة، يروي أحد الضباط الأميركيين في الوثائقي: "تحوّل الملف من قضية أمنية إلى مسألة شخصية".
بعد سنوات من المراقبة، بدأت خيوط الخطة تتكوّن. فقد تم تحليل عشرات التسجيلات المصوّرة لبن لادن، حتى أدّى تحقيق مطوّل إلى اكتشاف هوية الساعي الذي كان ينقل رسائله إلى وسائل الإعلام، وكان يُعرف باسم "أبو أحمد".
رغم نفي خالد شيخ محمد، المعتقل في غوانتانامو، أنّ "أبو أحمد" لا يزال ناشطًا، التقطت المخابرات الأميركية مكالمة هاتفية عام 2010، كشف خلالها أنه "عاد إلى عمله السابق"، في إشارة ضمنية إلى عودته للعمل مع بن لادن.
وبعد مراقبة دقيقة لتحركاته، رُصد دخوله بشكل متكرّر إلى مجمّع محصّن في منطقة آبوت آباد الباكستانية، السياحية بطبيعتها. وأثار ذلك شكوكًا كبيرة، إذ أن المجمع كان مسيّجًا بأسوار عالية تصل إلى 5 أمتار، ويخلو من الإنترنت والهواتف.
داخل المجمع، لاحظت الأقمار الصناعية وجود رجل يخرج يوميًا للمشي في الحديقة في حلقات متكرّرة. أطلقوا عليه اسم "المتمشّي"، وتبيّن لاحقًا، من خلال تحليل الظلال وطوله وطريقة مشيته، أنه قد يكون بن لادن نفسه.
أُوكلت مهمة الهجوم إلى وحدة "سيل 6" بقيادة روبرت أونيل، الذي خضع رجاله لتدريبات مكثّفة على نموذج مطابق للمجمّع، مع محاكاة أكثر من 100 سيناريو محتمل.
في الأول من أيار، عند الساعة 11 ليلًا، انطلقت مروحيتان أميركيتان من قاعدة جلال آباد، مجهزتان بتقنية التخفّي لتجنّب الرادارات الباكستانية.
إحدى المروحيات تعطلت وهبطت اضطراريًا، ما أجبر القوة على تعديل خطة الاقتحام بسرعة. ووفق رواية أونيل، فإن أول من واجهوه كان "أبو أحمد"، ثم نجل بن لادن، خالد، وبعدها توجّهوا إلى الطابق الثالث حيث واجه أونيل بن لادن وأطلق عليه النار.
بعد قتل بن لادن وجمع المستندات من المجمّع، أقلعت القوة عائدة إلى جلال آباد، وسط استنفار باكستاني. قال أونيل: "بدأت أعدّ الدقائق... ولم أشعر بالارتياح إلا حين سمعت عبر الموجات: أهلاً بكم في أفغانستان".
يوثّق الوثائقي أيضًا تطوّر العمل الاستخباراتي قبل صعود الذكاء الاصطناعي. فبينما كانت تحليلات البيانات والاتصالات تتطلب أشهرًا وربما سنوات في العقد الأول من القرن، بات اليوم من الممكن تحليل كميات ضخمة من البيانات خلال أيام.
كما يُظهر الوثائقي أهمية "المخبر البشري" في العمليات الأمنية، وأي ثغرة بسيطة قد تُفتح على معلومات ثمينة — درس لا يزال حيًا حتى اليوم، كما ظهر جليًا في الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.