وفي هذا السياق يرى الخبير العسكري العميد المتقاعد أندريه أبو معشر في حديث لـ"ليبانون ديبايت" احتمال اللجوء إلى استخدام السلاح النووي من قبل إسرائيل وارد في أي لحظة، خاصة في ظل قيادة بنيامين نتنياهو، فهذا الأخير لم يتردد في الماضي عن التلويح علنًا بهذا الخيار، فقد صرّح أمام الأمم المتحدة بنيّته استخدام السلاح النووي لضرب القدرات النووية الإيرانية، قبل أن يتراجع لاحقًا ويصف الأمر بأنه "زلة لسان"، إلا أن هذا التصريح يعكس حقيقة التوجه العقائدي لنتنياهو.
ويؤكد أننا أمام صراع وجودي، سواء بالنسبة للنظام في إيران أو بالنسبة لإسرائيل. كل طرف يعتبر أن بقاءه مهدّد من الطرف الآخر. النظام الإيراني ينظر إلى إسرائيل ككيان يجب إزالته، ويرى في السلاح النووي وسيلة لتحقيق هذا الهدف، بينما تعتبر إسرائيل أن التهديد الإيراني النووي يمس وجودها بشكل مباشر، ما يجعل خيار استخدام السلاح النووي من قبلها غير مستبعد إذا ما شعرت بأن التهديد بات وجودياً.
ولكنه رغم على الرغم من دموية الصراع، يعتبر أن قواعد الاشتباك لا تزال منضبطة، ولم تُستخدم الأسلحة النووية، لكن هذا لا يعني أن نتنياهو لن يذهب إلى هذا الخيار، إذا ما اعتبر أن التهديد على إسرائيل بلغ مستوى يستوجب هذا التصعيد.
أما على مستوى الموقف الأميركي، فيلفت الى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، حين أعطت الضوء الأخضر للعملية الأخيرة، كانت تدرك تماماً أن هناك خيارًا تفاوضيًا لا يزال قائماً مع إيران، وترامب الذي يفضل حاليًا نهج المفاوضات، يدرك أن العمل العسكري لن يُفضي إلى تحقيق الأهداف المرجوة، سواء القضاء على البرنامج النووي الإيراني، أو على قدراتها الصاروخية، أو حتى الحد من نفوذها الإقليمي.
الرهان الحقيقي من وجهة نظر ترامب هو على التفاوض، وهو الخيار العقلاني الوحيد القادر على إنتاج تسوية، كما يوضح العميد أبو معشر، أما الخيار الكارثي، فيتمثل بمحاولة إسقاط النظام في إيران أو إجبارها على توقيع اتفاق استسلام شبيه بما حصل في الحرب العالمية الثانية عندما اضطرت اليابان إلى الاستسلام بعد استخدام الولايات المتحدة للسلاح النووي ضدها.
ولكنه يسأل:" هل استخدام السلاح النووي ضد إيران خيار مقبول أو قائم من وجهة نظر المجتمع الدولي، وعلى رأسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ معتبراً أن هذا ليس مجرد قرار سياسي، بل هو سؤال يخص التاريخ والإنسانية بأسرها.
والموضوع، برأيه، لا يتعلق فقط بما يقبله ترامب أو لا يقبله، لأن المسألة تتعدى الاعتبارات الفردية أو الشخصية، فنحن نعرف طبيعة ترامب، فهو رجل أعمال، عقلاني في مواقفه، ولا يميل إلى المغامرات التي تنطوي على خسائر كبيرة، وقد وصل إلى سدة الرئاسة على أساس وعوده بإنهاء الحروب، وليس إشعالها، وكان واضحاً في خطابه أنه لا يريد الدخول في مواجهات عسكرية كبرى جديدة.
ويذكر في هذا الإطار الى ان ترامب يراهن على إعادة تكريس قوة الولايات المتحدة من خلال الاقتصاد، وليس من خلال الحروب،وهو يدرك أن أي حرب شاملة، وخاصة إذا انزلقت إلى استخدام السلاح النووي، ستؤدي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد الأميركي، بدءًا من ارتفاع معدلات البطالة، مروراً بحالة من الكساد، وصولاً إلى اضطرابات واسعة في الأسواق العالمية، وهذا بدوره سيقوّض الإنجازات الاقتصادية التي عمل على تحقيقها خلال الأشهر الماضية، والتي يسعى لتوظيفها في حملته السياسية.
لذلك، يطرح العميد أبو معشر السؤال: "ما هي المصلحة الوطنية العليا التي سيحافظ عليها ترامب إذا قرر ضرب إيران بالسلاح النووي؟ هل هناك تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي على أراضي الولايات المتحدة؟ هل هناك خطر وجودي على المصالح الأميركية في العالم؟ إن لم يكن الأمر كذلك، فإن الذهاب إلى خيار كهذا من أجل حماية أمن إسرائيل وحدها يبدو خياراً مبالغاً فيه، ويفتقد التوازن بين المصلحة الأميركية العليا وبين حسابات السياسة الإقليمية".
وينبّه الى انه علينا أن ندرك أن استخدام السلاح النووي لن يقتصر ضرره على إيران وحدها، بل سيلحق أذى جسيمًا بكامل المنطقة، بما في ذلك الدول الخليجية المجاورة. لا أحد يمكنه ضمان عدم تسرّب الإشعاع النووي، والذي قد تصل آثاره إلى الإمارات وقطر، وربما أبعد من ذلك. وبالتالي، فإن أي استخدام لهذا السلاح سيكون بمثابة تهديد مباشر لأمن وسلامة شعوب هذه الدول، وللاستقرار الإقليمي بأسره.
ومن هذا المنطلق يسأل :" ما سيكون موقف دول مثل الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية وقطر، إذا وافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على استخدام السلاح النووي ضد إيران؟ هذه الدول وإن كانت حليفة للولايات المتحدة، إلا أن أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية والبيئية ستكون مهددة بشكل خطير. ومن غير المرجّح أن تقف هذه الدول موقف المتفرّج، خاصة إذا شعرت بأن أمنها الداخلي قد يتعرض لخطر فعلي جراء قرار أحادي متهور.
ووفق هذه المعطيات يرى ثمّة موانع إقليمية حقيقية، وموانع دولية كذلك، تحول دون الذهاب إلى هذا الخيار. حتى داخل الولايات المتحدة، هناك عوامل ردع داخلية، سواء على المستوى السياسي أو المؤسساتي، تُقيّد قدرة ترامب على اتخاذ قرار بهذا الحجم، ويقول:" صحيح أن الرئيس الأميركي الحالي يعتمد على سياسة “العصا والجزرة” لفرض شروطه، لكنه يدرك أن رفع العصا النووية، ولو في إطار التلويح فقط، قد ينقلب عليه، ويُنتج تداعيات لا يمكن السيطرة عليها، لا عسكرياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً".
ويشكك بقدرة ترامب ، أو حتى الإرادة، على تجاوز كل هذه الموانع المحلية والإقليمية والدولية، والمضي قدماً في خيار بهذا الحجم، من أجل حماية إسرائيل فقط، وعلى حساب أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
وعن الخيارات الايرانية في الرد على سيناريو ضربها بالنووي يلفت الى معلومات إعلامية وأمنية غير مؤكدة حتى اللحظة، تفيد بأن إيران نجحت في تخصيب ما يقارب 497 كيلوغراماً من اليورانيوم، وهي كمية يُحتمل أن تكون كافية لإنتاج قنبلة نووية أو سلاح نووي أولي. غير أن هذا الخبر لا يزال بحاجة إلى تحقق رسمي لتأكيد مدى دقته، إذ إن المسألة تتعلق إما بواقع فعلي، أو ربما تُستخدم هذه المعلومات كمبرر أو تمهيد لتبرير أي ضربة عسكرية نووية ضد إيران.
ويرى انه في حال صحّت هذه التقديرات، فإن إيران لن تحتاج لأكثر من شهر تقريبًا للوصول إلى مرحلة القدرة على إنتاج سلاح نووي فعلي. وهنا تصبح المسألة شديدة الحساسية. إيران، كما يبدو من سلوكها، تراهن على عامل الوقت، وتدير الصراع بطريقة تهدف إلى استنزاف الولايات المتحدة وإسرائيل، وتدرك جيدًا أن هناك نافذة زمنية محدودة تتراوح بين أسبوعين إلى ثمانية أسابيع، وهي تتحرك ضمن هذا الهامش بدقة.
ويشير الى انه رغم من كل الضغوط والتأخيرات والتكاليف المتزايدة، إلا أن البرنامج النووي الإيراني لم يُلغَ، بل على العكس، لا يزال يشكل أحد الأعمدة الاستراتيجية للنظام، المدعوم بإرادة راسخة من مؤسسات الدولة الإيرانية، وعلى رأسها الحرس الثوري، لافتاً الى ان هذا البرنامج يُقدَّم للعالم على أنه مخصص للاستخدامات السلمية والمدنية، مثل توليد الطاقة وتطبيقات طبية وصناعية، وهو ما يندرج ضمن الحقوق المشروعة بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي.
لكنه ينبّه الى انه عندما يتجاوز تخصيب اليورانيوم عتبة الـ60%،يصبح الحديث عن الاستخدامات المدنية غير منطقي، إذ إن النسبة المسموح بها دوليًا للأغراض المدنية لا تتجاوز 5%. وكلما ارتفعت نسبة التخصيب، كلما اقتربنا من مستوى القدرة على إنتاج سلاح نووي، وهذا يُعتبر ذلك مؤشرًا واضحاً إلى نية التوجه نحو امتلاك سلاح نووي، حيث ان انتاج قنبلة نووية لن يتجاوز الشهر الواحد سواء كخيار ردعي أو كورقة ضغط في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية.
وويخلص الى أنه على ايران برأيه ان تتحضر في حال كان الهدف هو محطة أو موقع فوردو النووي، وبما أن اسرائيل لا تستطيع تدميره الا باستخدام السلاح الاستراتيجي الاميركي لذلك تسعى الى جر الولايات المتحدة ، وهي أمامها 3 خيارات اما استخدام المقاتلات الاستراتيجية الاميركية او الاستعانة بعمليات كوموندوس على الموقع نفسه وفيه مخاطر عليها، او استعمال السلاح النووي لجر ايران الى إتفاقية سلام، فخلال أسبوعين اذا لم تستطع تحقيق شيئ ما فان عليها القبول بالخيارت العقلانية والذهاب الى التفاوض او تذهب الى الخيارات غير العقلانية مما سيرتد بشكل سيئ على المنطقة باكملها.