"ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح
رئيس أكبر دولة نووية واقتصادية وسياسية في العالم، دونالد ترامب، يعمل لدى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في بيروت. هذه خلاصة جزء من المواقف التي أدلى بها الأخير في قصر بعبدا، أمس، على هامش زيارته رئيس الجمهورية جوزاف عون.
قال جعجع حرفياً: “كانت هناك وضعية شاذة في المنطقة بدءاً من اليمن ووصولاً إلى لبنان، ولم يكن ممكناً أن يستمر ذلك، وأعتقد أننا سنصل إلى تفاهم أميركي إيراني جدي تبعاً لما يتلاءم مع نظرتنا للأمور ومع مصالح لبنان العليا”.
ذلك يعني أن كل النشاط الذي قام به دونالد ترامب طيلة الأيام الماضية، لوقف ما أسماها “حرب الأيام الـ12”، جاء وفق نظرة سمير جعجع للأمور حيث يقيم في قصر معزول في معراب.
على أي حال، يتصرف الإسرائيليون على أنهم فائزون في الحرب، ودعوا إلى احتفال في إحدى ساحات تل أبيب. كذلك، يعتبر الإيرانيون أنهم فازوا في الحرب أيضاً، ودعوا للاحتفال في إحدى ساحات طهران.
مفهوم أن تتسابق كل من إيران وإسرائيل على إعلان النصر، لا سيما إيران، وهو حق بعد أن كسرت حلفاً ثلاثياً رمى إلى إسقاط نظامها.
ما هو غير مفهوم أن “يدس” سمير جعجع رأسه في ما ليس له به، إلا إذا كان يعتبر نفسه، فعلاً، مؤثراً في الحرب، وجزءاً من حلف ثلاثي معلوم. في هذه الحال، يصبح واضحاً سر توقيت جعجع زيارته إلى بعبدا الآن، بعيد إعلان دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق بين إيران وإسرائيل، وبعيد زيارة الموفد الأميركي المؤقت إلى بيروت، السفير توم باراك.
من الواضح أن باراك قدّم ملفاً إلى اللبنانيين من خلال القصر الجمهوري، يتضمن مجموعة كاملة من الأوراق التي تحوي مقترحات وأفكاراً على لبنان الإجابة عليها في غضون مهلة لا تتعدى أسبوعين.
وعلى ما سُرّب، فإن الورقة تحمل مضامين تتعلق بتحديد الدولة اللبنانية مهلة زمنية لسحب السلاح من حزب الله تحديداً، وفق نظريتها التي تقول بـ”حصر السلاح”، وإعلان أجندة من قبلها في هذا الخصوص.
وتتضمن الورقة مسألة أخرى مرتبطة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وترسيم الحدود البرية مع سوريا، وتحديد تلك مع “إسرائيل”. لكن الورقة لا تفصح عن تاريخ واضح للانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي احتلها ويحتلها من جنوب لبنان.
وبصرف النظر عن كيفية الترسيم في ظل الاحتلال، وعدم وضوح طبيعة العلاقة مع سوريا، تصبح الصورة واضحة حيال ما أعلنه سمير جعجع من بعبدا، على أنه قدّم ورقةً إلى رئيس الجمهورية تقضي بتحديد مهلة زمنية، بدوره، لنزع السلاح من حزب الله. يُصبح إذاً أن زيارة جعجع تأتي استكمالاً – أو هكذا يظن – لزيارة باراك.
خلال وجوده في قصر بعبدا، تعمّد جعجع الإشارة إلى أنه لا يُزاحم رئيس الجمهورية أبداً. غير أن مقتضيات الأمور توحي بالعكس.
فجعجع، ومنذ انتخاب عون رئيساً، نصّب نفسه واعظاً ومحاسباً للقصر، مما دفع بسيده إلى إعلان استيائه مراراً وتكراراً من تصرفات جعجع وممثليه على طاولة مجلس الوزراء. جعجع، الذي جهد محاولاً إظهار طوباويته في القصر، وبأنه مساند صريح لعون في ولايته، تعامل مع الزيارة على أنها زيارة توجيهية – تقييمية.
فما سُرّب عنها بعيد حصولها، جاء حرفياً بأنها لـ”إجراء تقييم مع الرئيس للأوضاع العامة، لا سيما في ضوء التطورات الأخيرة في المنطقة”.
على أي حال، لا يقتصر تعامل “القواتيين” باستعلاء على رئيس الجمهورية فقط.
قبل أيام، مرّر وزير الخارجية المثير للجدل يوسف رجّي نموذجاً حاكى طريقة تعاطي معراب مع رجالات الدولة، حين حاول رجّي “زرك” رئيس الحكومة نواف سلام على طاولة مجلس الوزراء، خلال الجلسة المنعقدة يوم الجمعة الماضي، من أجل اتخاذ موقف من الكلام ما قبل الأخير الذي أدلى به الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، وما تسبّب به أسلوب رجّي من احتكاكات تحت سقف الهدوء مع بعض الوزراء.
لم يكتفِ رجّي، الذي يتعلم وينهل – على ما يبدو – من مدرسة شارل جبور، بذلك، بل مضى إلى الإعلام مسرّباً مضامين غير موجودة حول ما جرى في الجلسة، كادعاء بأن الحكومة – ورئيسها – رفضوا إصدار موقف رافض لتوريط لبنان في الحرب الإقليمية، في خطوة حملت نوعاً من “المطاحشة” على رئيس الحكومة، ما استدعى من الأخير رداً أبدى فيه “استغرابه من تصريحات منسوبة لأحد الوزراء، تحدثت عن رفضه إصدار موقف حكومي ضد توريط لبنان في الحرب الإقليمية الجارية”.