"ليبانون ديبايت"-باسمة عطوي
ليس جديدا الحديث عن دور المُلحقين الإقتصاديين في سفارات لبنان في الخارج، في تنشيط علاقاته التجارية وفتح أسواق جديدة لزيادة حجم صادراته إلى البلدان المتواجدين فيها. لكن من الجدير تسليط الضوء على دورهم في المرحلة الحالية، التي من المفروض أن تكون جديدة على صعيد التعاون العربي والدولي لنهوض لبنان إقتصاديا وماليا، بعد أن أُقفلت الأبواب الخليجية في وجه صادراته لسنوات، في حين أن فتح الأسواق الأوروبية يتطلب مثابرة وبناء العلاقات للوصول إلى الهدف المنشود.
من البديهي القول أن المُلحق الإقتصادي لا يملك عصا سحرية، لفتح أسواق جديدة أمام الإنتاج اللبناني، سواء أكان زراعي أو صناعي أو حرف أو منتجات غذائية، بل يحتاج إلى "عدة شغل" أو بوصلة سياسية ومالية تساعده على تعبيد الطريق أمام هذا الإنتاج، وهذا أمر مفقود منذ الإنهيار في العام 2019، بسبب حالة التخبط التي عاشتها كل وزارات ومنها وزارة الخارجية، ولأسباب تتعلق "بالحالة الوظيفية" للمُلحق الإقتصادي، وبالجو السياسي والمالي والإداري العام الذي يفتقر إلى أي خطة، أو رؤية إقتصادية وسياسية توجه عمل المُلحق إلى بلدان يمكن أن تشكل أسواقا جديدة، ناهيك عن إختلال الوضع الأمني الذي يمنع أي مستثمر من توظيف أمواله في لبنان.
سوء توزيع الملحقين أول الثغرات
يفصّل مصدر متابع ل"ليبانون ديبايت" معنى "عدة الشغل" بأنها "تبدأ بالعقود التي تُبرم مع الملحقين الإقتصاديين، والتي تتجدد سنويا ما يعني غياب الإستقرار الوظيفي، بالإضافة إلى تدني رواتبهم(لا تتجاوز 6000 دولار) التي لا تكفي للعيش بكرامة في الدول التي يتواجدون فيها، ناهيك عن سوء توزيعهم على الدول التي يمكن يستفيد منها لبنان إقتصاديا"، لافتا إلى أن "عدد الملحقين الإقتصاديين حاليا لا يتجاوز ال15 بعد إختصار عددهم في العام 2023 ،لتخفيض نفقات وزارة الخارجية وهناك إستقالات متلاحقة، وهذا أمر مؤسف علما أنهم يُشكلون حاجة للقطاع الخاص ولجمعية الصناعيين، ولغرف التجارة والوزارات المعنية مثل الخارجية والمغتربين والتجارة والصناعة والزراعة والاقتصاد"، مذكرا أن "الملحقين ساهموا بزيادة صادرات لبنان الى 3 مليار دولار، وبات تعاطي الإتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية أفضل مع الإنتاج اللبناني، وساهموا بفتح علاقات جديدة وتنسيق معارض في باريس وألمانيا، وأدخلوا الصناعات الغذائية والمطعم اللبناني إلى أوروبا، ووصل التصدير إلى الإتحاد الأوروبي إلى أعلى معدل حيث بلغ 600 مليون يورو، كما ساهموا بدخول المنتجات اللبنانية بشكل كبير إلى الولايات المتحدة الاميركية".
التوصيف الوظيفي للملحق
بحسب المرسوم 3040 الصادر عام 1972، تقع على عاتق المُلحق الإقتصادي عدة مهام، منها جمع المعلومات حول ما يهم لبنان من الشؤون الإقتصادية والتجارية والمالية في البلد الداخل في نطاق صلاحيته، ودراسة هذه المعلومات لمعرفة تأثيرها على الإقتصاد اللبناني، ولإكتشاف الأسواق الممكنة للمنتجات والخدمات اللبنانية، وإمكانية توظيف رؤوس الأموال الأجنبية في لبنان وتنشيط السياحة فيه.
كما يدخل ضمن مهام الملحق الاقتصادي، إجراء إتصالات مع سائر البعثات ومع الرسميين ورجال الأعمال وغرف التجارة والصناعة، وجمعيات التجار والصناعيين وأفراد الجالية اللبنانية، ومع المسؤولين عن الإعلام وجميع المعنيين بالشؤون الاقتصادية، والصناعية والتجارية والمالية والسياحية لتعريف لبنان وإمكاناته في هذه الحقول وإيجاد الأسواق له، والعمل على إنشاء غرف تجارية مشتركة ومتابعة نشاطها.
كما يكمن دوره في المساهمة في تنظيم المعارض والأسواق والمؤتمرات، وإستقبال اللبنانيين القادمين لهذا الغرض وتسهيل مهمتهم والإشراف على المعارض اللبنانية الدائمة، والإشتراك في إجتماعات وأعمال الهيئات الدولية وفي المفاوضات، وفي عقد المعاهدات والاتفاقات الدولية وتقديم المعلومات والمشورة لرجال الأعمال اللبنانيين، وتأمين الصلة بينهم وبين رجال الأعمال في البلد الذي يتواجدن فيه.
وعلى الملحق الاقتصادي السعي لتسوية النزاعات التجارية بين اللبنانيين والأجانب، وحماية مصالح اللبنانيين الاقتصادية، والبحث في إمكانية الحصول على المساعدات والقروض الخارجية والعمل على الحصول عليها.
طبارة : وجود المُلحق في أي بلد يتوقف على مكانته الاقتصادية
يشرح سفير لبنان السابق في الولايات المتحدة الاميركية رياض طبارة ل"ليبانون ديبايت" أن "وجود ملحق إقتصادي في أي بلد فيالعالم، يتوقف على مكانته الإقتصادية بالنسبة للبنان وإتساع أسواقه، عندها يصبح وجود ملحق إقتصادي ضروريا، لمتابعة التطورات الإقتصادية للبلد الموجود فيه، وإعداد التقارير التقنية التي تمهد إلى إبرام إتفاقات أو فتح أسواق، وتكون هذه المرحلة من إختصاص السفير المعين"، لافتا إلى أنه "في حال لم يكن هناك إهتمام لبناني بالعلاقات الإقتصادية لبلد معين (لسبب أو الاخر)، عندها يتولى مهامه أحد الدبلوماسيين من دون أن يكون مختصا (حين تدعو الحاجة)، لأن عدد الدبلوماسيين في السفارات محدود والعلاقة بين لبنان والدولة التي يتمثل فيها عبر سفير، هي التي تحكم إذا كان من المهم وجود مُلحق إقتصادي أو عسكري أو غيرها من الإختصاصات".
يضيف:"في واشنطن حين توليت مهامي كسفير لم يكن هناك ملحق إقتصادي بل ملحق عسكري، نظرا لتقدم أهمية العلاقات العسكرية بين لبنان والولايات المتحدة على العلاقات الإقتصادية، وكان يتابع الشأن الإقتصادي أحد المساعدين في السفارة، لأن عدد الموظفين فيها محدود في حين أن المهام متعددة، ومنها المهام القنصلية والتي تكون كثيرة في بلد كبير مثل الولايات المتحدة".
ويختم:"أكبر عدد دبلوماسيين للبنان في الخارج هو في الولايات المتحدة الاميركية، لكنه غير كاف نظرا لعدد الجالية للبنانية في الولايات المتحدة ولكثرة المهام المطلوبة من الدبلوماسيين".
هاني: طلبنا مساعدة المُلحقين لتسويق إنتاجنا الزراعي
على أرض الواقع، القطاعات الزراعية والصناعية هي أكثر القطاعات المعنية، بتفعيل دور المُلحق الإقتصادي في الخارج لا سيما في هذه المرحلة، وفي هذا الإطار يشير وزير الزراعة نزار هاني ل"ليبانون ديبايت" أنه "إتفق مع وزير الخارجية يوسف رجي على إعداد لائحةبالمحاصيل الزراعية التي تهتم بها الدول التي تتميز بأسواق كبيرة، والطلب من الملحقين الاقتصاديين مساعدة الوزارة على تسويق هذه المحاصيل في الدول الموجودين فيها"، شارحا أن "وزارة الخارجية أبدت كل إستعداد للتعاون، وهناك محاصيل زراعية فريش ( موز/ أفوكا/ العنب/ التفاح/ الكرز) يمكن إيجاد أسواق جديدة لها إلى جانب الصناعات الغذائية. وفي 2024 تمّ تصدير العنب والتفاح والموز والافوكا والكرز إضافة إلى الخضار والحمضيات، ودور الملحقين هو تكبير السوق أمام هذه المنتجات".
ويشير إلى أن "هناك دولا تستورد الحمضيات من عدة بلدان، وفي حال كان هناك تسويق صحيح للحمضيات اللبنانية والدول إقتنعت بالنوعية، يمكن زيادة حجم الصادرات كما حصل هذا العام في الاردن"، مشددا على أن "الدول العربية تشكل أولوية لنا كقطاع زراعي كونها الأقرب، والخضار والفاكهة تبقى محافظة على جودتها لقرب المسافة، في حين أن العنب مثلا نصدّره على 40 دولة ولكن بكميات متفاوتة (الأكوادور والبيرو)، والسوق الأفضل بالنسبة لنا هو الدول العربية، لأن التحدي بالنسبة لنا كقطاع زراعي هو إيصال المحاصيل الزرراعية ضمن وقت محدد، لأنها قابلة للتلف حتى ولو كانت ضمن البرادات (العنب يحفظ لشهر ولكن ضمن مواصفات خاصة) ولكن لا نملك ترف الوقت بالنسبة لباقي المحاصيل".
البساط: نعاني من عدم تعاون بعض السفراء مع عمل الملحقين
في ما يتعلق بالصناعات الغذائية التي تستفيد من دور المُلحق الإقتصادي، يشرح الأمين العام للعلاقات الخارجية في جمعية الصناعيين اللبنانيين منير البساط، ل"ليبانون ديبايت" أن للملحقين الإقتصاديين أدوارا مهمة جدا، كل بحسب الجهة الجغرافية التي يشغلها، في دعم النشاط الأقتصاد اللبناني، فهم المصدر الأساسي للمعلومات عن الأسواق المتواجدين فيها، وقنوات التسويق والتوزيع، الرسوم الجمركية، المواصفات المطلوبة، مرافئ الشحن وغيرها من المعلومات التي يحتاجه الصناعي، للتحضير لأي خطة تسويقية لدخول أسواق جديدة، دون أن ننسى معلومات حول أهم المعارض الدولية المتخصصة بالإنتاج الصناعي من كافة الصناعات، ومساههمتهم القيمة في مجال الإتفاقيات التجارية وتحديد قواعد المنشأ"، مشددا على أن "المعلومات التي نتلقاها من أنشطة الملحقين الإقتصاديين تعتبر أساسية، في إتخاذ القرارات المناسبة لتسويق المنتجات الصناعية اللبنانية، دون أن ننسى المساهمة الكبرى للملحقين في إدخال العديد من المنتجات، الى الدول الذي يخدمون فيها (العسل الى دول الإتحاد الاوروبي على سبيل المثال)، والعمل والجهود مستمرة للسماح بدخول منتجات أخرى من مصدر حيواني الى دول الإتحاد الاوروبي، بالإضافة الى تحضير مناسبات في السفارات اللبنانية للتعريف بالمنتجات اللبنانية (النبيذ في سفارة لبنان في الولايات المتحدة الاميركية)".
يعبّر البساط عن أسفه لأن" بسبب الازمة الاقتصادية تم تشديد القيود على عملهم عبر تخفيض رواتبهم وزيادة مهامهم، مما أدى الى إستقالة عدد من المُلحقين النشطين من مراكزهم. ومن الثغرات التي يعانون منها في هذا المجال هي عدم تعاون عدد من السفراء مع عمل الملحقين في سفاراتهم. وتعيين بعض الملحقين في بلاد تضع عوائق كبيرة للتصدير (مصر، المكسيك, روسيا، الصين) ما جعل انجازاتهم ضعيفة ، ناهيك عن ضعف متابعة وزراة الوصاية (الخارجية) لأنشطتهم خاصة بعد الأزمة الاقتصادية".