المحلية

ليبانون ديبايت
الجمعة 27 حزيران 2025 - 16:57 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

ردم الحفر ليس انجازاً.... مأساة تتكرر ودعوة عاجلة لتحرك مدروس!

ردم الحفر ليس انجازاً.... مأساة تتكرر ودعوة عاجلة لتحرك مدروس!

"ليبانون ديبايت"

بات سقوط الضحايا على طرقات لبنان أمرًا روتينيًا، حيث أصبحت الطرقات مصيدة للناس ومشروع حادث كلما خرج أي شخص من منزله بسيارته. وليس آخرها أن فقدت امرأة مع جنينها حياتها على هذه الطرقات. لكن هذا الواقع المرير ليس وليد الساعة، بل هو مأساة مستمرة منذ سنوات طويلة في ظل غياب الرؤية والتخطيط والمحاسبة.

وفي هذا الإطار، يعتبر رئيس الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية، كامل إبراهيم، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن "ما نشهده اليوم في لبنان من تزايد في حوادث السير، خاصة خلال فصل الصيف، هو نتيجة طبيعية ومباشرة للإهمال المزمن من قبل الحكومات المتعاقبة والمسؤولين المعنيين بهذا الملف. للأسف، لم يعد مفاجئًا أن تتكرر هذه الحوادث بشكل كارثي في ظل غياب أي إجراءات وقائية أو سياسات فعالة للحد من هذه الكوارث".


ويرى أنه في حال لم يتم اتخاذ خطوات سريعة وجدية من قبل الحكومة اللبنانية، ممثلة بالوزارات والإدارات المختصة، فإن أعداد الحوادث ستبقى مرتفعة، وستتفاقم الخسائر البشرية كما شهدنا في الحادث المأساوي على طريق عمّيق في البقاع الغربي، أو ما تعرّض له أحد الأطفال السوريين. هذه الحوادث تتكرر يومًا بعد يوم، دون أن نلمس أي تدخل فعلي أو خطط استباقية لحماية أرواح الناس.


ورغم مرور أكثر من 120 يومًا على نيل الحكومة الثقة، لم نرَ على أرض الواقع أي إجراء جدي أو خطة متكاملة تعكس الالتزامات التي وردت في البيان الوزاري، والتي أكدت على أهمية السلامة المرورية، ولا يزال الملف يُدار بالمنطق نفسه الذي اعتمدته الحكومات السابقة، أي الإهمال والمراوحة.


ويقول: "لسنا بحاجة لاجتماعات أمنية ولا لقرارات دولية لننقذ الناس من الموت على الطرق. نحن بحاجة إلى قرار سيادي واضح من الحكومة اللبنانية، قرار يتعامل مع السلامة المرورية كأولوية وطنية، وليس كبند ثانوي على جدول أعمال الوزارات".


ويشدد إبراهيم على أن الطرقات اليوم بحاجة إلى تطبيق حازم للقوانين، لا إلى رفع غير مدروس للغرامات؛ وبحاجة إلى صيانة فعلية وليس إلى ترقيع، وإلى بنية تحتية تحترم حياة الناس. فما يحصل اليوم هو استخفاف بعقول المواطنين وبأرواحهم، ووزارة الأشغال، ووزارة الداخلية، والبلديات، وسائر الإدارات المعنية، مطالَبة بخطط مدروسة وفق أسس علمية، لا وفق مناهج تقليدية أثبتت فشلها.


ويؤكد أن الواقع المؤلم هو أن السلامة المرورية ما زالت تُقارب بعقلية تقليدية، غير علمية، بعيدة كل البعد عن المعايير الحديثة. المسؤولية الكبرى تقع على رئيس الحكومة، بصفته رئيس المجلس الوطني للسلامة المرورية، الذي من المفترض أن يقود هذا الملف بما يتناسب مع حجم الكارثة التي يعيشها اللبنانيون يوميًا على الطرق.


ويرفض اعتبار هذه المأساة بأنها قدر، وهي لا تحتاج إلى موارد خارقة أو تدخل خارجي لحلّها. تحتاج فقط إلى إرادة سياسية، وقرار حكومي جدي يترجم الالتزامات المعلنة إلى إجراءات فعلية تنقذ الأرواح، قبل أن يتحول كل شارع في لبنان إلى موقع فاجعة جديدة.


تحقيق السلامة المرورية في لبنان لا يبدأ بتزفيت الطرق، ولا ينتهي عند تعبيد الحفر. هذا المفهوم السائد خاطئ تمامًا. السلامة المرورية تبدأ أولًا بقرار سياسي واضح، مدعوم بمعرفة علمية متخصصة، وإرادة جادة لإحداث تغيير حقيقي، وليس فقط سد الحفر.


ويُذكر أن وزارة الأشغال تقوم بأعمال تزفيت واسعة في مختلف المناطق اللبنانية، لكن من دون استكمالها بالإجراءات والمعايير الهندسية المطلوبة لضمان السلامة على الطرق، فإن هذه الأعمال تبقى قاصرة وغير فعالة


ويأسف لأن المقاربة المتبعة في إدارة هذا الملف ما زالت قائمة على مفاهيم قديمة، تعتمد على منطق "الخدمة السياسية" أكثر من منطق التخطيط الوطني. وكأن تزفيت الطريق أو ردم حفرة أصبح إنجازًا يُسجَّل لأي بلدية أو وزارة، دون النظر إلى المعايير العلمية التي تضمن سلامة العابرين.


ويوضح إبراهيم أن ما نحتاجه هو استراتيجية وطنية متكاملة، قصيرة وطويلة المدى، تُعنى بتحقيق السلامة المرورية المستدامة، وليس فقط ترميم الطرق. فالموضوع أكبر بكثير من تعبيد بعض المسارات هنا وهناك. نحن نتحدث عن منظومة يجب أن تشمل البنية التحتية، التشريعات، الرقابة، المحاسبة، والتوعية.


وينبّه إلى أنه لا توجد مشكلة في الحياة بلا حل، وكل أزمة، إذا تمّت مقاربتها بالقنوات القانونية والتشريعية المناسبة وبأساليب علمية، لها مخرج. لكن حين تُترك الفوضى لسنوات من دون معالجة، وتُهمَل القوانين، فمن الطبيعي أن نصل إلى واقع مأزوم يصعب فيه فرض النظام بين ليلة وضحاها.


ويلفت إلى أن ما نراه اليوم من فوضى مرورية، خاصة على صعيد الدراجات النارية والمركبات غير الآمنة، هو نتيجة مباشرة لتقصير طويل الأمد من الجهات المعنية، وعدم قيامها بواجباتها خلال السنوات الماضية. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو التوقف العشوائي للمعاينة الميكانيكية في لبنان، ما سمح ببقاء مركبات غير صالحة تسير على الطرق، وهو ما نشهده يوميًا من خلال الحوادث المميتة التي تتسبب بها شاحنات أو سيارات غير مؤهلة تقنيًا.


ويكرّر أن هذه الفوضى لم تولد فجأة، بل هي نتاج قرارات اتُّخذت ثم تُركت بلا تنفيذ، ما أدى إلى تفاقم المشكلة. المعالجة الموسمية أو الأمنية الآنية، مهما كانت ضرورية، لن تؤدي إلى نتائج مستدامة إذا لم تُرافق بخطة إصلاح متكاملة تطال جذور الخلل.


ومن هذا المنطلق، فإننا - برأيه - نحتاج إلى مراجعة شاملة لقانون السير، وإلى إعادة النظر بكل ما يتعلق بالغرامات والإجراءات الردعية، ولكن وفق رؤية تخدم السلامة المرورية لا الجباية. القانون وحده لا يكفي إذا لم يكن مدعومًا بإرادة سياسية واضحة وبنية مؤسساتية حقيقية قادرة على التطبيق والمتابعة والمحاسبة.


ويتطرق إلى أعداد الضحايا على الطرقات، حيث يُتداول أن هناك ما يزيد عن 200 ضحية خلال أقل من سنة في لبنان، وهذه أرقام مرتفعة بكل المعايير، وليست أرقامًا عادية يمكن المرور عليها مرور الكرام. ومع ذلك، تبقى المشكلة في لبنان أعمق من مجرد أرقام.


ويخلص إلى أن القضية ليست إن كانت الحصيلة ترتفع أو تنخفض. كل ضحية تسقط على الطريق هي مأساة إنسانية بحد ذاتها، والمشكلة الحقيقية أننا لا نعرف لماذا يموت هؤلاء الناس، ولا كيف نعالج الأسباب الجذرية لهذا الموت المجاني.


ويختم:"الاستمرار في التعاطي مع الحوادث على أنها مجرد أرقام أو أخبار عابرة، دون معالجة شاملة، يعني أننا سنبقى ندور في دائرة الخسارة والدم، في ظل غياب أي محاسبة أو إصلاح فعلي".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة