والاتحاد الذي يحمل اسم المدينة، والذي يجدر التذكير بأن القوات فازت فيه بأصوات أبناء مختلف الطوائف — السنة والشيعة والمسيحيين معًا — بات اليوم محرومًا من هذه المدينة نفسها. وبدلًا من أن ترد القوات الجميل لكل من منحها ثقته وصوته، ذهبت إلى أقصى درجات الانعزال ورفضت أن تترأس الاتحاد بلدية غير محسوبة عليها سياسيًا.
واللافت أن القوات، التي انتصرت في زحلة بفضل هذا التنوع الطائفي الواسع، اختارت الانسحاب من الاتحاد فقط لأنها لم تفز برئاسته، متجاهلة حقيقة أساسية وهي أن زحلة وإن كانت تشكّل القاعدة الكبرى للاتحاد وتحمل اسمه، إلا أن التوازن الديمقراطي داخل بلدات الاتحاد لم يسمح لها بالفوز برئاسته. فهذه هي قاعدة اللعبة الديمقراطية: الخضوع لرأي الأكثرية. وحيث لم تُعطِ الأكثرية أصواتها للقوات، كان من الأجدر بها أن تتقبل النتيجة بروح مسؤولة وتبقى ضمن الاتحاد، لا أن تنسحب فقط لأنها لم تفز.
وهذا النموذج ليس استثنائيًا أو محرجًا على الإطلاق. ففي لبنان أمثلة عديدة على بلديات صغيرة تتولى رئاسة اتحادات كبيرة، من دون أن يعترض أحد على المبدأ. وما دليل على ذلك سوى اتحاد بلديات المتن، حيث تتولى بلدة تغرين الصغيرة رئاسة الاتحاد رغم وجود بلدات أكبر منها حجمًا وسكانًا.
وإذا كانت القوات قد وافقت على مثل هذا المبدأ في أقضية أخرى، فلا يجوز أن تنقلب عليه في زحلة. أما التذرّع بأن هناك قرارات سابقة لمجالس بلدية زحلاوية رفضت ترؤس بلديات أخرى للاتحاد، فكان الأولى بالقوات اللبنانية، التي تملك امتدادًا وطنيًا واسعًا وتوازنات عابرة للمناطق، أن تكون هنا أداة وصل لا أداة فصل. فإذا كانت تلك المجالس السابقة تعبر عن توازنات سياسية محلية، فإن القوات اللبنانية اليوم تعبر عن توازنات وطنية أوسع، ما يحمّلها مسؤولية مضاعفة في تصويب هذا النهج وضمان استمرار صيغة العيش المشترك بين المدينة ومحيطها.
لكن ما حصل أثبت مرة جديدة أن نهج القوات هو نهج “فصل” لا “وصل”، بعد أن أسقطت من حساباتها صيغة التعايش بين زحلة وبلدات القضاء، وهي الصيغة التي صمدت لعقود طويلة وكانت الركيزة الأهم للاستقرار والانفتاح في هذه المنطقة.
