أكّد رئيس الحكومة نواف سلام، خلال كلمة ألقاها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الإنقاذ في لبنان لا يمكن أن يتم من دون إصلاح فعلي يؤسّس لدولة حديثة، تستعيد ثقة اللبنانيين وتحظى بثقة المجتمع الدولي.
واعتبر سلام أن المجلس "يشكّل مساحة حيوية للحوار الوطني، وشريكًا مجتمعيًا أساسيًا في هذه اللحظة المفصلية"، مشيدًا بدوره التمثيلي الواسع في القطاعات النقابية والاقتصادية والاجتماعية.
وتطرّق إلى الواقع المتردي في البلاد، مشيرًا إلى أنّ السنوات الخمس الماضية شهدت "انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا غير مسبوق، مع تدهور قيمة الليرة بنسبة تفوق 98%، وانكماش اقتصادي بنسبة 40%، وارتفاع معدلات الفقر والتضخم، وصولًا إلى دمار كبير خلفته الحرب الأخيرة وانفجار مرفأ بيروت".
وأوضح سلام أنّ "لا استقرار ممكناً في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية واحتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية"، مشيرًا إلى أنّ الحكومة تكثّف جهودها السياسية والدبلوماسية لتطبيق القرار 1701، وتأمين العودة الكريمة للنازحين وإعادة إعمار المناطق المتضررة.
وأكد على "الالتزام ببسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وحصر السلاح بيدها"، لافتًا إلى إطلاق تعاون مباشر مع الجانب السوري لضبط الحدود ومكافحة التهريب.

وفي السياق الإقليمي، شدّد سلام على أنّ "لبنان لا يمكن أن يبقى على هامش التحولات"، مؤكداً الانخراط مجددًا في العمق العربي، ومشيرًا إلى زياراته الرسمية إلى السعودية والإمارات وسوريا، ومشاركة رئيس الجمهورية في زيارات خارجية هادفة لإعادة تموضع لبنان عربيًا.
كما شدد سلام على أن الإصلاح المالي يشكّل حجر الزاوية في مسار التعافي، قائلاً: "لا يمكن تحقيق نهوض اقتصادي دون معالجة جذرية لأخطاء الماضي وبناء نظام مصرفي سليم".
وأشار إلى أن الحكومة أقرت قوانين مفصلية، أبرزها رفع السرية المصرفية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، إضافة إلى إعداد قانون لتوزيع الخسائر واستعادة الودائع وفق أولويات واضحة.
وأكد سلام أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي "تتقدم بمسؤولية وواقعية"، كاشفًا عن نية الحكومة توقيع اتفاق نهائي خلال ولايتها الحالية، إلى جانب التحضير لمؤتمر استثماري في الخريف المقبل، وتحديث القوانين الاقتصادية، وتحفيز الصادرات، ودعم القطاعات المتضررة.
وأشار إلى زيارة مناطق مختلفة لتحديد الحاجات التنموية، مؤكدًا أن "مشروع مطار رينيه معوض في القليعات بات في مرحلة دراسة الجدوى، نظرًا لأهميته الاستراتيجية".
وأعلن أنّ "تحديث الإدارة العامة يجري على أسس الكفاءة والجدارة والشفافية، بعيدًا عن المحاصصة"، مشيرًا إلى تعيينات تمت وفق آلية جديدة شملت مجلس الإنماء والإعمار، والعمل جارٍ على استكمال تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات والطيران المدني.

كما أكد سلام أن مجلس الوزراء أقر مشروع قانون استقلال القضاء، في خطوة ترمي إلى "تحصين العدالة وتعزيز ثقة المواطنين بالقضاء"، إلى جانب خطوات لحماية المال العام، مثل استرداد مراسيم الأملاك البحرية ووقف تمديد تراخيص الكسارات العشوائية.
وشدّد على أنّ الحكومة تلتزم بالمواعيد الدستورية، وهي تستعد لتنظيم الانتخابات النيابية المقبلة، بعد إنجاز الانتخابات البلدية والاختيارية.
ولفت سلام إلى أن إعادة الإعمار "ليست مجرد عملية تقنية، بل مسار سياسي واجتماعي متكامل"، معلنًا أن الحكومة أمّنت قرضًا بقيمة 250 مليون دولار من البنك الدولي لتمويل المرحلة الفورية، بالتوازي مع تنفيذ مشاريع تنموية بقيمة 350 مليون دولار بالشراكة مع وكالات أممية.
وأشار إلى أن لبنان يُحضّر لعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار خلال الأشهر المقبلة، في إطار رؤية وطنية واضحة وشفافة.
وختم سلام كلمته بالدعوة إلى "شراكة وطنية مسؤولة"، مؤكدًا أن "نجاح أي خطة إنقاذ يتطلب تعاونًا من مختلف القوى الحيّة، وفي طليعتها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي". وقال: "دعونا نعيد للبنانيين ثقتهم بدولتهم، ونُعيد الاعتبار لمعنى الدولة".
