تتصدر شركة “Bet Arabia” اليوم المشهد القضائي في لبنان، بعدما فُتح ملفها فجأة وفي توقيت لافت، مع بدايات عهد سياسي جديد في البلاد. هذه الشركة، وخلافًا لكل ما يُشاع عنها أو يُروَّج في الإعلام، هي شركة مخالفة للقانون بقرار واضح وصريح صادر عن ديوان المحاسبة، الذي أكد أن كازينو لبنان لا يملك بأي شكل من الأشكال صلاحية منح حصرية تشغيل ألعاب الميسر عبر الإنترنت لأي جهة كانت. وهذا القرار يُسقط الأساس القانوني الذي استندت إليه الشركة طوال سنوات عملها.
لكن اللافت اليوم ليس فقط أن الملف فُتح، بل كيف ولماذا فُتح الآن. لا أحد يطرح السؤال الأهم: من فتح هذا الملف وفي هذا التوقيت بالذات؟ الملف كان نائمًا لسنوات، محصنًا بغطاء سياسي وقضائي وأمني وإعلامي، وكان محظورًا حتى الإشارة إليه. ما نعيشه اليوم ليس فقط قضية شركة تمردت على القانون، بل قضية منظومة متكاملة وفاسدة غطّت وشاركت في هذه المخالفات، وتربّحت منها، وسكتت عنها.
الأسئلة المشروعة التي يجب أن تُطرح اليوم كثيرة: أين كان الإعلام؟ ولماذا صمت عن “Bet Arabia” كل هذا الوقت؟ بل أكثر من ذلك، هناك مستندات تُظهر أن قناة “الجديد” كانت تتقاضى أموالًا شهرية من “Bet Arabia” على شكل رشاوى إعلامية مقابل الصمت والتعتيم على مخالفات الشركة. لكن عندما تحرّك القضاء، انقلبت القناة على الشركة، وبدأت فجأة بالهجوم، في خطوة مكشوفة لا تحمي مصداقيتها بل تفضحها أكثر.
اليوم، هناك قرار سياسي واضح بإقفال “Bet Arabia” والسيطرة على السوق السوداء للقمار، وخلق بدائل جديدة تتبع للمنظومة التي بدأت تتشكّل، وتطمح لجني ملايين الدولارات من هذا القطاع عبر واجهات شرعية وقانونية. لكن إذا كانت القوى السياسية حريصة فعلًا على ضبط هذا القطاع، كان الأجدى بها أن تشرّع قانونًا واضحًا عبر مجلس النواب لتنظيم ألعاب الميسر أونلاين، لا أن تترك الملف للفوضى والمصالح والابتزاز.
أما المدعي العام المالي القاضية دور الخازن، التي تشرف على الملف، فعليها أن تُكمل التحقيق حتى النهاية، دون انتقائية أو مساومة. فالمطلوب أن يتم استدعاء كبار المتورطين في شركة “Bet Arabia”، وأبرزهم رجل الأعمال سركيس سركيس، الشريك الأساسي في الشركة، إلى جانب جوزيف لاوون، اللذين يملكان أسهمًا ومصالح مباشرة في هذه المؤسسة التي تحوّلت إلى رمز للفساد المُغطّى.
المحاسبة يجب أن تشمل الجميع: القضاة الذين سكتوا، الأمنيين الذين لم يتحركوا، الإعلاميين الذين قبضوا، والسياسيين الذين حموا هذا المشروع غير القانوني طوال سنوات. وكل من ساهم في بقاء “Bet Arabia” واستمراريتها، وكل من تستر على مخالفاتها، يجب أن يُسأل ويُحاسب. لأن ما يحصل اليوم ليس فقط فتح ملف، بل اختبار حقيقي لمدى استعداد الدولة لمواجهة شبكات النفوذ والفساد داخلها، ولو كانت متغلغلة في قلب السلطة.