مشهد الأحد في البقاع رسم أسئلةً واضحةً ومستجدة عن التموضع السياسي الجديد لمن كان محسوبًا سابقًا على سنّة 8 آذار.
حضن حسن مراد في احدى باحات شتورة قبل ظهر الاحد، ثلاثة رؤوس حربة لسياسة سلطة ما بعد الحرب الأخيرة، ويمكن تسميتها أيضًا بسلطة استعادة القرار السنّي ذات العمق العربي.
رئيس الحكومة القاضي نواف سلام الذي صلّى صلات العيد إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل اسابيع، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بما يمثّل، والرئيس فؤاد السنيورة ألد خصوم حزب الله في لبنان، جميعهم حضروا في الصفّ الأول في افتتاح مسجد يحمل اسم شقيق النائب مراد، وابن الوزير السابق عبد الرحيم مراد.
هذا الحضور إلى جانب شخصيات روحية ودبلوماسية وسياسية وأمنية ممّن عُيّنت مع وصول الرئيس عون لقصر بعبدا، طبع المشهد بالتالي: كل من يرفع راية السعودية في لبنان اجتمع في حفل دعا إليه حسن مراد، ليس في العاصمة، وانّما في منطقة تغيب عنها الدولة منذ سنوات. ليس هذا فحسب، بل أيضًا في منطقة لا يمثّلها مراد في المجلس النيابي، بل هي جارة البقاع الغربي التي تمدّد اليها وعمل على انشاء مجمّع اسلامي فيها، ذات طابع سنّي، أهداه للمرجعية الروحية السنية.

فهل تموضع مراد بعيدًا عن خياراته السابقة، وهل هناك من نجح باستمالة رجل المشاريع البقاعية إلى الحضن السني العربي؟
من يتابع الأداء السياسي لبيت عبد الرحيم مراد، ينتبه بدقّة أن هذا البيت لم يكن معاديًا للخيارات العربية، وحتى حينما اشتدت الصراعات، وقامت الحرب السعودية على اليمن، اتخذ موقفًا متمايزًا عن باقي حلفائه، إلى جانب المملكة التي كان يعتبرها ضمانة للبنان، وخلفه النائب مراد بالركون على هذه الموقف كثابت لا يتغيّر.

فهل خسر حزب الله مراد؟
من يتابع مواقف الرجل، يعلم تمامًا أنّ موقفه من العداء لاسرائيل انطلاقًا من عقيدة عروبية واضحة هو أمر لا يتبدّل. والعارف أيضًا بخبايا العلاقات والتحالفات يعلم أيضًا أن الارتباط بين سنّة 8 آذار وحزب الله هو ارتباط مالي وسياسي، وهنا يتميّز مراد، أنّه لا يتقاضى المال من أي جهة، وهذا يُجمع عليه الجميع.
وبعد هذا الرد تكون الاجابة على السؤال واضحةً، فالتقارب مع الجميع هو تقارب على المبادئ الوطنية من منطلق مصلحة لبنان، ومصلحة لبنان منذ الأزل كانت بانتمائه إلى الحضن العربي.
سمع الأحد مخاتير البقاعين الاوسط والغربي، ومعهم رؤساء البلديات ووفود العشائر العربية بوضوح، أن البقاع هو ساحة وحدة وطنية خالصة، ولن تكون واحدة من ساحات التجاذب والتشنّج السياسي والأمني، وأن هذا القرار هو قرار نهائي اتخذه أهل المنطقة بما فيهم نوابها وقياداتها. هؤلاء نفسهم علموا ولمسوا طوال سنوات مضت، أن العمل السياسي في هذه المنطقة يصح أن يكون نموذجًا للعمل في كل المناطق، فالانماء والتعليم وحدهما يشكّلان الرافعة السياسية والشعبية لأي كان.
حسن مراد، حلّ مكان الدولة حينما غابت وغُيّبت، وعاد وحملها إلى البقاع حين قررت أن تلتفت لمنطقة عانت الأمرّين في سبيل الحفاظ على هويتها اللبنانية.


