تمسّك بالقرار رغم الضغوط
وفي موقف حاسم ولافت، تمسّكت وزيرة التربية ريما كرامي بقرارها بعدم اعتماد المواد الاختيارية في الامتحانات، رافضةً الضغوط التي مورست عليها من طلاب وأهالٍ وأساتذة على حد سواء، في ظل الظروف الأمنية غير المستقرّة التي تمرّ بها البلاد.
قرار كرامي لم يأتِ من فراغ، بل عكس توجهًا واضحًا لاستعادة هيبة الشهادة الرسمية، التي تراجعت قيمتها في السنوات الأخيرة بفعل الأزمات المتتالية: من الانهيار الاقتصادي عام 2019، مرورًا بجائحة كورونا، وصولًا إلى حرب أيلول 2024 وما خلّفته من تداعيات ميدانية خطيرة، خاصة في الجنوب.
ورغم الهجوم الذي تعرّضت له من جهات مختلفة، بقيت الوزيرة على موقفها، مؤكدة في أكثر من مناسبة أن الأمل لا يزال قائمًا، وأن الطلاب اللبنانيين من بين الأقوى في العالم، مشددة على أن إعادة الاعتبار للشهادة الرسمية هو استحقاق وطني لا يجوز التراجع عنه. وعدت ووفَت (حتى اليوم)، وأثبتت أن القرار الصعب ممكن حين تكون الإرادة موجودة.
امتحانات اليوم الأول: ارتياح ورسائل طمأنة
في اليوم الأول، خضع الطلاب لامتحانات في مواد مختلفة بحسب الفروع، وسط أجواء تنظيمية جيّدة، ومن دون تسجيل أي حوادث تُذكر. ووفق ما عَلِمَ "ليبانون ديبايت"، ساد ارتياح كبير بين الطلاب، لا سيّما الذين استعدوا بجدية لهذا الاستحقاق الذي يفصلهم عن المرحلة الجامعية وتحقيق أحلامهم.
وجاء امتحان مادة التربية الوطنية، الموحدة بين الفروع الأربعة (الآداب والإنسانيات، الاجتماع والاقتصاد، علوم الحياة، والعلوم العامة)، "سهلاً ومبسّطًا"، وفق ما وصفه الطلاب، إذ تضمن أسئلة واضحة تتيح لأي طالب متوسط المستوى تحقيق نتيجة جيّدة، مع بعض الفقرات التي تطلبت تركيزًا إضافيًا، لكنها بقيت ضمن حدود المقبول.
أما امتحان مادة الكيمياء لفرعي العلوم العامة وعلوم الحياة، فقد جاء بمستوى مقبول أيضًا، وأفادت شهادات عدد كبير من الطلاب بأن الأسئلة كانت ضمن المنهج، وأن من حضّر جيدًا تمكن من الإجابة بسلاسة. وفي فرع الاجتماع والاقتصاد، سُجل ارتياح مماثل بعد تقديم امتحان مادة الاجتماع.
هدوء في الجنوب... رغم التهديدات
من النقاط الهامة أن الامتحانات جرت في المناطق الجنوبية دون تسجيل أي توتر، رغم المخاوف التي سادت في الأيام الماضية من احتمال حدوث خرق أمني يُعكّر صفو هذا اليوم التربوي. وعلى الرغم من استمرار التهديدات في الخلفية، نجحت الجهات المعنية في تأمين أجواء مستقرة وهادئة، مما سمح بإجراء الامتحانات في ظروف مقبولة وساهم في الحفاظ على المسار التربوي رغم التحديات.
امتحان أول... وجرعة أمل
في المحصلة، نجحت وزارة التربية في اجتياز أول اختبار حقيقي في دورة 2025، وسط ظروف استثنائية. وتمكّنت الوزيرة كرامي، عبر تمسّكها بخياراتها، من إيصال رسالة واضحة مفادها أن التعليم في لبنان لا يزال صامدًا، وأن التراجع عن الثوابت الوطنية والتربوية ليس خيارًا. التحدي اليوم يتمثل في استرجاع الثقة بقدرة الدولة على حماية مستقبل طلابها... وهذا ما بدأ يتحقق، خطوة بعد خطوة.