ليبانون ديبايت - جواد الصايغ
مخطئ من يعتقد أن المعارك الدائرة في جنوب سوريا بين خليط من مقاتلي القبائل والعشائر والجماعات المصنفة إرهابية في الأمم المتحدة، والتي تقدم نفسها على أنها قوات تابعة للجيش السوري الجديد من جهة، وأبناء محافظة السويداء من جهة أخرى، هي معارك بين السنة والدروز أو بين الدولة السورية والدروز.
ومخطئ أيضًا من يعتقد أن الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، هو المسبب لهذه المعارك، لأن الوقائع التاريخية تثبت بشكل قاطع أن الدروز يواجهون مجموعة من الجنجاويد الجدد في الشرق الأوسط الذين يريدون زرع الخوف والدمار في نفوس الناس لإخضاعهم.
ومخطئ أكثر وأكثر من يظن أن هذه الدولة هي دولة وتريد بسط سيطرتها وهيبتها على الأراضي السورية، فأين هيبتها عندما كان الدروز يتعرضون للمضايقات والسلب والنهب على طريق دمشق-السويداء طوال أشهر مضت، ولم تتدخل وصمت آذانها ورواغت عندما كانت تصلها الشكاوى.
مع سقوط النظام السوري في كانون الأول الماضي، قرر الجميع فتح صفحة جديدة إلّا من يرى الدم والهدم طريقًا لبسط سلطته، ورغم كل الماضي السيئ مع هؤلاء مدّ الدروز، وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، يدهم لبناء سوريا، ولكن من تعوّد على الطعن والمراوغة لا يمتلك الرجولة والشهامة لمواجهة الموقف.
الدولة التي تريد أن تكون سنغافورة، ولكنها غير قادرة على الخروج من الطوق الأفغاني، تحمل الشيخ الهجري والدروز مسؤولية القتال، ولكن مهلاً، هل كان الشيخ الهجري في ريف إدلب يوم ارتكب هؤلاء أنفسهم مجزرة بحق الدروز العزل في ٢٠١٥؟ هل كانت إسرائيل في قلب لوزة؟ وهل كان الدروز يحملون السلاح؟ ولكنه الطبع الذي يغلب التطبع. وأكثر من ذلك، هل كان الشيخ الهجري ومقاتلوه في الكنيسة التي أحرقها جيش “جورج واشنطن” السوري في بلدة الصورة على بعد عشرات الكيلومترات من جبهات القتال؟
الدولة التي تريد أن تكون سنغافورة ولكنها غير قادرة على الخروج من العقل الفصائلي التكفيري، والتي ترى أن جميع المكونات أمامها أبناء “خنازير”، لا يُكتب لها النجاح مهما فرضت وجارت وظلمت ودمرت وقتلت.
ثم من قال إن حرب الدروز مع السنّة؟ وسأذكر هذه الواقعة وللمرة الأولى: إنه في عام ٢٠١٣ دخلت داعش إلى قرى الدروز في ريف إدلب وبدأوا بالتنكيل، فمن بادر إلى نجدتهم؟ يومها كان هناك تنظيم كبير اسمه جبهة ثوار سوريا يقوده السني جمال معروف، وتم التواصل معه عبر أحد الأشخاص الذي لن أذكر اسمه الآن من أجل مساعدة دروز تلك المنطقة، وبعد يومين أتى الرد بأن معروف سيدخل لتحريرها من الإرهاب، واندفع ومقاتلوه إلى هذه البلدات ودحر داعش ووقف إلى جانب الدروز. ولكن سخرية القدر أن جبهة النصرة بزعامة الجولاني قتلت وشردت معروف ومقاتليه بعد عام واحد، ثم أكملت لتقتل في جماعات الجيش الحر على مدار السنوات.
إذًا رأس الحكم ارتكب مجازر في حق السنّة قبل أن يصل إلى المسيحيين الذين هُجروا من اليعقوبية وجسر الشغور، ثم العلويين، والآن الدروز، وبالتالي فإن السويداء لا تقاتل دولة أو طائفة وإنما تقاتل عن الإنسانية والحضارة وكل من يقول لا لهذه التنظيمات الإرهابية.