المحلية

محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت
الأربعاء 16 تموز 2025 - 07:22 ليبانون ديبايت
محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت

نواف سلام كما لم نُرِد أن نراه

نواف سلام كما لم نُرِد أن نراه

"ليبانون ديبايت" - محمد المدني


عندما تم تكليف السفير نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية بتاريخ ١٧ تشرين الأول ٢٠٢٤، رافق هذا التكليف زخم شعبي لافت، وتفاؤل غير مسبوق بين اللبنانيين، الذين رأوا فيه فرصة حقيقية لكسر نمط الحكم التقليدي، والانتقال نحو حكومة إصلاحية، مستقلة، وعابرة للطوائف.


ولأن نواف سلام أتى من خلفية دبلوماسية وقانونية نظيفة، ولأنه بقي لفترة طويلة خارج دائرة الزواريب السياسية اللبنانية، فإن الأمل كان كبيرًا بأن تشكّل حكومته محطة مفصلية في مسار الحكم، بصرف النظر عن هوية من سبقوه.


لكن خطوةً تلو الأخرى، بدأت حكومة نواف سلام تنحرف عن المسار الذي تشكلت على أساسه. فالرجل الذي دخل إلى السراي الكبير رافعًا راية الإصلاح في مؤسسات الدولة، واعدًا بتحصين القضاء، وتحديث الإدارة، وتطهير القطاعات الأمنية من النفوذ السياسي، وجد نفسه بمرور الوقت ينزلق إلى منطق التركيبة القديمة ذاتها التي حكمت لبنان على مدى العقود الأربعة الأخيرة.


شخص الرئيس نواف سلام نفسه، الذي أراد أن يكون على مسافة من الجميع، تحوّل تدريجيًا إلى جزء من مشهد مألوف. فبدل أن يرسّخ استقلاليته، بات أقرب إلى التموضع ضمن شبكة النفوذ السياسي والطائفي التي لطالما عطّلت مشروع الدولة.


التحوّل الأكثر وضوحًا، وربما الأكثر صدمة، تمثّل في تمسّك نواف سلام بدعم مرجعية دينية، إذ بات يحظى بحماية مباشرة من دار الفتوى، المرجعية السنية الأولى، ويستند كذلك إلى دعم واضح وعلني من الرئيس فؤاد السنيورة، أحد أبرز رموز نادي رؤساء الحكومات السابقين.


هذا التموضع يطرح أكثر من علامة استفهام، ألم يكن نواف سلام قد تعهّد بفصل الدين عن السياسة؟ ألم يكن شعاره الأساس “فوق الطوائف وفوق المذاهب”؟ فما الذي تغيّر؟ وكيف تحوّل من مرشح التغيير إلى رئيس حكومة يشبه من سبقوه؟


الأخطر من كل ذلك، هو أن نواف سلام لم ينجح حتى في الإصلاح. فلا الوزارات شهدت تغييرًا حقيقيًا، ولا القضاء استعاد استقلاليته، ولا ملفات الفساد الكبرى تحرّكت قيد أنملة. واليوم، بدل أن يحافظ على صورته كـ”رئيس استثنائي في لحظة استثنائية”، يبدو أنه بات أسير الدعم الطائفي، وعالقًا في لعبة المحاصصة التي وعد بكسرها.


ما حصل في جلسة الحكومة الأخيرة يوم أمس شكّل جرس إنذار إضافي، فبعدما كانت الانتقادات لنواف سلام تأتي من خصومه التقليديين كـ”التيار الوطني الحر”، جاءت هذه المرة من داخل حلفائه، إذ القوات اللبنانية، أحد أبرز الداعمين له في بداية العهد، وجّهت إليه انتقادات لاذعة داخل مجلس النواب، في سابقة تؤشّر إلى تصدّع الائتلاف السياسي حوله.


وبحسب مصادر موثوقة، فإن وزراء القوات اللبنانية يتّجهون إلى الاستقالة من الحكومة عاجلًا أم آجلًا، وعلى الأرجح قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة، تجنّبًا لتحمّل كلفة البقاء في حكومة فقدت زخمها وباتت تترنّح سياسيًا وشعبيًا. وفي حال استمرار هذا المسار، فإن حكومة نواف سلام قد تتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال، وربما قبل أوانها.


اليوم، الرئيس نواف سلام في وضع لا يُحسد عليه وهو أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن يستعيد زمام المبادرة، ويعود إلى المسار الذي وعد به، أو أن يكتفي بلعب دور إداري باهت، في مشهد سياسي مأزوم، يكرّس ما كان قد تعهّد بتغييره.


والأهم أنه إذا ما وجد نواف سلام نفسه غير قادر على منع صفقة، أو قرار مشبوه، أو تعيين مفروض، فليتذكّر أن عبارة “لم أستطع” تعني “فشلت”، والكرامة السياسية تتطلّب منه، حينها، أن ينسحب واقفًا، بدل أن تُكسَر صورته شيئًا فشيئًا على مرأى من اللبنانيين.


في نهاية المطاف، التاريخ لا يرحم. إما أن يُكتب اسم نواف سلام في سجل من حاولوا ونجحوا، أو في لائحة من وُعِد بهم اللبنانيون ثم خذلتهم الحسابات الضيقة. فالإصلاح لا يُؤخذ بالتحالفات الطائفية، ولا بالسكوت عن التسويات المشبوهة. فإما أن يكون رئيس الحكومة قائدًا يُدير اللعبة، أو لاعبًا تُديره الظروف… والفرق بين الاثنين يصنعه القرار.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة