كشفت المحللة العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية، تشين أرتزي سرور، عن تفاصيل حساسة تخضع لرقابة عسكرية مشددة داخل إسرائيل، تتعلق بالأوضاع النفسية والاجتماعية في صفوف الجيش الإسرائيلي، لا سيما في ظل استمرار الحرب في قطاع غزة.
وأوضحت سرور، في مقالة نادرة نشرها الموقع الإلكتروني للصحيفة، أن هناك "سياسة ممنهجة لإخفاء معدلات الانتحار بين الجنود، وحجب بيانات تتعلق باستخدام الأدوية النفسية، إلى جانب التعتيم على الأعطال التشغيلية، والانضباط، والإرهاق، والمشاكل الميدانية الأخرى التي تواجه الجنود النظاميين والاحتياطيين على السواء".
وأكدت سرور أن "الرأي العام لا يعرف حجم المعاناة، لأن الجنود يعيشون هذه الوقائع بينما تُحجب عن الإعلام"، مشيرة إلى أن "التركيز الرسمي ينصب على الجنود القتلى الذين يُستخدمون في الدعاية، بينما يتم التعتيم الكامل على حالات الانتحار، ورفض العودة إلى الجبهات، واضطرابات ما بعد الصدمة التي تصيب أعداداً متزايدة من عناصر الجيش".
وتابعت أن "الجيش الإسرائيلي يرسل الجنود إلى الخطوط الأمامية بعد تدريبات قصيرة وغير كافية، كما يتم استدعاء الاحتياطيين فجأة دون أي تهيئة نفسية، ما يفاقم من هشاشة الجبهة الداخلية ويزيد من الانهيارات الفردية".
وفي ظل غياب الشفافية، قالت سرور إن "شهادات الأهالي أصبحت المصدر الوحيد لكشف الحقائق، وسط تجاهل مجلس الحرب للتكاليف النفسية والاجتماعية المترتبة على الجنود وعائلاتهم، وتركيزه فقط على الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية".
وركزت الكاتبة على الآثار المدمرة للحرب المستمرة على الحياة الاجتماعية، لافتة إلى أن "٣٠٪ من الأسر التي يخدم فيها أحد الزوجين في الجيش تعاني من عنف نفسي أو اقتصادي أو جسدي أو جنسي، بينما تصل النسبة إلى ٢٤٪ لدى الأسر العسكرية التي يخدم فيها كلا الزوجين، مقابل ٣٪ فقط لدى الأسر غير المرتبطة بالخدمة العسكرية".
ووصفت هذا الواقع بـ"المخيف"، قائلة إن "انفصال الحكومة عن معاناة هذه الأسر، وغياب الدعم المنهجي، يشكل خطراً اجتماعياً كبيراً على تماسك المجتمع الإسرائيلي".
في تقييمها لمستقبل الحرب، أكدت سرور أن استمرار العمليات العسكرية على قطاع غزة أصبح مستحيلاً في ظل الظروف الحالية، قائلة: "لا يمكن استمرار حرب لعامين بجيش يعاني من أزمات تشغيلية ونفسية خانقة، وسط تجاهل حكومي شامل لتكاليفها الطويلة الأمد".
وانتقدت سرور ما وصفته بـ"الوعود الحكومية غير الواقعية"، مثل النصر الكامل، أو تحرير كل الأسرى، أو إعادة بناء غزة، مؤكدة أن "هذه الأهداف تفتقر إلى آلية تنفيذ واضحة، وتُستخدم فقط لتهدئة الرأي العام المؤيد للحرب دون أساس فعلي على الأرض".
واعتبرت المحللة أن ما يجري يعكس "أزمة عميقة في المنهج الإسرائيلي بالتعامل مع الحرب"، مضيفة: "الخطاب الرسمي يروّج للإنجازات العسكرية، لكنه يُخفي وراءه كوارث إنسانية واجتماعية، فيما الرقابة العسكرية تُفاقم الفجوة بين الواقع والمتخيّل".
وختمت سرور بالتحذير من أن "إهمال الصحة النفسية والاجتماعية للجنود لا يهدد فقط تماسك الجيش، بل المجتمع الإسرائيلي بأكمله، في ظل تفاقم الانقسام، وتزايد مظاهر اليأس واللامبالاة، وتهرب الحكومة من مسؤولياتها تجاه مواطنيها".