دخلت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، واجهة المشهد السوري بعدما تحولت خلال أيام من منطقة ظل سياسي وعسكري إلى مركز ميداني متفجّر، في أعقاب انسحاب الجيش السوري وتصاعد غير مسبوق في المواجهات والضربات الإسرائيلية، بالتزامن مع تحرّكات إقليمية ودولية تعيد رسم التوازنات في الجنوب السوري.
في العاصمة دمشق، أفاد مراسل "سكاي نيوز عربية" عماد الأطرش بأن حالة من الترقّب والقلق تسيطر على الشارع السوري، خصوصًا في أوساط الطائفة الدرزية، بعد إعلان وزارة الدفاع رسميًا سحب القوات الحكومية من السويداء، تزامنًا مع خطاب مقتضب للرئيس السوري أحمد الشرع لم يتجاوز سبع دقائق، تناول فيه تطورات الجنوب السوري والغارات التي استهدفت مواقع سيادية، من بينها وزارة الدفاع وهيئة الأركان.
وبحسب الأطرش، فإن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه يواجه اختبارًا حرجًا، وسط فراغ أمني وغياب هيبة الدولة، في وقت تجاوز فيه عدد ضحايا الاشتباكات الأربعة أيام أكثر من 370 قتيلًا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بينهم عناصر أمن ومدنيون.
من جهته، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده "فرضت وقف إطلاق النار بالقوة" في السويداء، مضيفًا أن إسرائيل تحقق الأمن والهدوء على سبع جبهات باستخدام القوة. وأكد أن تل أبيب لن تسمح بوجود سلاح في الجنوب السوري أو بعودة الجيش السوري إلى المحافظات الجنوبية، مشددًا على التزامه بحماية الطائفة الدرزية في إطار ما وصفه بـ"دبلوماسية تحت النار". واعتبر محلل الشؤون الإسرائيلية نضال كناعنة أن خطاب نتنياهو يحمل رسائل متعددة، أولها للداخل الإسرائيلي في ظل اضطراب ائتلافه الحكومي، وثانيها للقيادة السورية، وثالثها للمجتمع الدولي بأن إسرائيل لا تتردد في استخدام أدواتها العسكرية لفرض شروطها على الأرض.
على الحدود مع الجولان، رصد المراسل فراس لطفي استنفارًا عسكريًا إسرائيليًا غير مسبوق، شمل إقامة حواجز إسمنتية وتحصينات إضافية على طول السياج، مع تشديد الإجراءات لمنع عبور الأفراد. وشهدت الأيام الماضية تحركات إنسانية لعائلات درزية من الداخل المحتل باتجاه السويداء للقاء أقاربها، وهو ما وصفه لطفي بـ"المشهد الفوضوي" الذي بات يؤرق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
في المقابل، كشفت مصادر أمنية تركية أن أنقرة دخلت على خط التهدئة في الجنوب السوري، من خلال قنوات اتصال غير معلنة مع زعماء دروز، كما أجرى رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن محادثات مع مسؤولين في واشنطن وتل أبيب ودمشق، وحتى مع الرئيس السوري نفسه. ويعكس هذا الحراك قلق أنقرة من تمدد الفوضى جنوبًا وتأثيرها على أمن الحدود الشمالية وتوازنات إدلب.
سياسيًا، طلبت دمشق عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن الدولي لمناقشة ما وصفته وزارة الخارجية بـ"التصعيد الإسرائيلي الخطير"، بعد غارات استهدفت مقر وزارة الدفاع ومواقع حساسة في دمشق والجنوب. لكن مراقبين شككوا في فعالية هذا التحرك، في ظل الانقسام الحاد داخل المجلس وغياب توافق دولي حول الملف السوري.
ما يجري في السويداء لا يُعدّ تطورًا محليًا معزولًا، بل يشير إلى تحوّل استراتيجي في خريطة الصراع السوري. فالجيش السوري أعاد تموضعه، والطائفة الدرزية تطالب بحلول إنسانية وسياسية، بينما تفرض إسرائيل وقائع جديدة بالقوة، وسط فراغ إقليمي تحاول أنقرة ودول أخرى ملؤه بهدوء. وبين التحركات الميدانية والدبلوماسية، تترقب السويداء مستقبلها الغامض، بعدما تحولت من هامش جغرافي إلى مركز صراع مفتوح على كافة الاحتمالات.