المحلية

الأربعاء 23 تموز 2025 - 06:49

الملفات الممنوعة من العرض

الملفات الممنوعة من العرض

"ليبانون ديبايت" - محمد المدني


ليست كل الملفات تُعرض أمام الرأي العام، ولا كل ما يُناقش خلف الأبواب المغلقة يجد طريقه إلى العلن. في لبنان، تُسلَّط الأضواء على عنوان واحد هو سلاح حزب الله، حيث يُقدَّم هذا الملف كأنه العقدة الوحيدة في طريق الدولة، بينما تُطوى ملفات أخرى لا تقلّ خطورة عن المشهد، وكأنها ممنوعة من العرض، من الكهرباء إلى القضاء، من المصارف إلى الفساد، من الاتصالات إلى غياب أي خطة إنقاذ جدّية، تتوارى كل هذه العناوين خلف الستار، في الوقت الذي يتحول فيه الحديث السياسي والإعلامي إلى تكرار ممل لملف واحد، وكأن اختزال الأزمة هو القاعدة، وكأن التعتيم على الحقيقة صار جزءاً من اللعبة.

وفي الوقت الذي تتّجه فيه الأنظار إلى زيارات المبعوث الأميركي توم بارك إلى بيروت، يبدو أن هناك الكثير مما يُقال في الكواليس ولا يُراد له أن يُقال في العلن.


فبعض القوى السياسية ووسائل الإعلام تتعمّد حصر الاهتمام بملف واحد هو سلاح حزب الله، وكأن هذا الملف هو العقبة الوحيدة أمام نهوض لبنان أو استعادة الدولة لسيادتها.


صحيح أن موضوع السلاح يشكّل عنواناً دائماً في أي نقاش داخلي أو خارجي، لكنه ليس الملف الوحيد المطروح في لقاءات بارك مع المسؤولين اللبنانيين. فالمباحثات تمتد إلى ملفات سياسية واقتصادية وإصلاحية تمس جوهر الدولة، من الإدارة العامة إلى القضاء، ومن القطاع المصرفي إلى ملف الكهرباء والاتصالات، وصولاً إلى مكافحة الفساد المزمن الذي ينهش مفاصل الدولة.


وفي وقت يبرّر فيه البعض غياب التقدّم في ملف السلاح بسبب تعقيداته الداخلية والإقليمية، يطرح سؤال بديهي نفسه: لماذا لا يحصل أي تقدّم في باقي الملفات؟ ولماذا لا يتم إنجاز أي إصلاح جدّي في القطاعات الحيوية؟ وهل يُعقل أن يُحمّل سلاح حزب الله وحده مسؤولية الانهيار الحاصل؟


من الواضح أن الحزب لا يقرّر بمفرده داخل الحكومة، ولا يمسك وحده بمفاصل الإدارة، فما الذي يمنع الوزراء من القيام بواجباتهم؟ ولماذا لم يُقرّ مجلس الوزراء أي إصلاحات أساسية؟ ومن يعطّلها فعلاً؟ وهل من المنطقي أن نبقى نردّد الخطاب نفسه من دون محاسبة أي جهة مسؤولة عن هذا الشلل الكامل في المؤسسات؟


وللتأكيد على ذلك، وفي أحد لقاءاته مع المسؤولين، قال توم بارك بوضوح إن على لبنان أن ينفذ الإصلاحات أولاً قبل أن يطلب أي مساعدات، وإن المجتمع الدولي لم يعد يقبل بشروط من دون خطوات جدية من الدولة اللبنانية. هذا الكلام لا يُمكن تجاهله، لأنه يعبّر عن موقف دولي جامع، فالحصار الحقيقي هو ما يفرضه السياسيون اللبنانيون على بلدهم، من خلال الامتناع عن الإصلاح والإبقاء على نظام المحاصصة والفساد.


إن الربط الدائم بين سلاح حزب الله وبين غياب الإصلاحات هو اختزال خاطئ ومضلّل. صحيح أن السلاح ملف حساس يجب أن يكون من ضمن استراتيجية دفاعية وطنية تُقرّها الدولة، لكن الدولة نفسها غائبة عن كل ملفاتها. لا قضاء مستقل، لا كهرباء، لا شفافية في المال العام، لا رقابة ولا محاسبة، لا خطة نهوض اقتصادي، ولا نيّة حقيقية لأي تغيير.


إضافة إلى ذلك، إن اللبنانيين لا يعيشون فقط تحت تهديد السلاح، بل تحت وطأة الانهيار الشامل، والفساد المتراكم، وسوء الإدارة، واستقواء الطبقة السياسية على الدولة والمواطنين. ومع ذلك، يبقى التركيز محصوراً بملف واحد، ويُترك كل شيء آخر خارج التغطية، وكأن في الأمر قراراً مقصوداً لإبقاء الحقيقة ناقصة، والنقاش مجتزأ، والمحاسبة مؤجّلة إلى أجل غير مسمّى.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة