اقليمي ودولي

الجزيرة
الخميس 24 تموز 2025 - 08:37 الجزيرة
الجزيرة

بين حافظ الأسد ومحمد عمران: الصراع الذي انتهى بالدم

بين حافظ الأسد ومحمد عمران: الصراع الذي انتهى بالدم

في أواخر عهد الانتداب الفرنسي، برز حزب البعث في سوريا كلاعب سياسي صاعد، وتمكّن عام 1954 من تحقيق اختراق في البرلمان السوري عبر نيل 17 مقعدًا. هذا النجاح وضعه في مواجهة مباشرة مع نواب حزب الشعب، وخصوصًا في ما يتعلق بتشريعات تخص الحرفيين والعمال، ما أدى إلى اتساع التوتر ليطال المؤسسة العسكرية.


في هذا السياق، فرض عدد من الضباط البعثيين سيطرتهم على معسكر قطنا قرب دمشق، في ما مثّل بدايات "عسكرة البعث". سعى هؤلاء الضباط، وبينهم محمد عمران، إلى الحصول على تفويض من القيادة الحزبية التاريخية، بزعامة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، لتنفيذ انقلاب عسكري. غير أن القيادة السياسية رفضت المشروع.


أزمة الثقة بين الجناحين العسكري والسياسي تعمقت لاحقًا مع حل حزب البعث خلال فترة الوحدة مع مصر، ما دفع الضباط إلى الإعداد لانقلاب تم تنفيذه فعليًا في 8 آذار 1963، وأزاح الواجهة الفكرية للبعث ومهّد لصعود ضباط أبرزهم محمد عمران، صلاح جديد، أمين الحافظ، وسليم حاطوم.


مع إعلان الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، نقلت القيادة المصرية العشرات من الضباط البعثيين إلى مواقع داخل مصر (الإقليم الجنوبي)، في محاولة لتحجيم نفوذهم. من بينهم محمد عمران وصلاح جديد، اللذان أسّسا، مع ضباط آخرين كأحمد المير، حافظ الأسد، وأحمد سويداني، ما عُرف لاحقًا بـ"اللجنة العسكرية".


عقب الانفصال في عام 1961، عاد الضباط إلى سوريا وسط صدمة داخلية من انهيار المشروع القومي. في عام 1963، قاد محمد عمران انقلابًا أطاح بقائد الانفصال عبد الكريم النحلاوي، ما أسفر عن طرده من الجيش.


ترافق صعود اللجنة العسكرية مع صراع داخلي بين مكوناتها. احتدم التنافس بين محمد عمران من جهة، وصلاح جديد وحافظ الأسد من جهة أخرى، حول النفوذ داخل الجيش وموقع سوريا من مشروع الوحدة مع مصر. دعم عمران خيار إعادة الوحدة، وتحالف مع القيادة القومية، فيما كان جديد والأسد يدفعان باتجاه نظام بعثي مستقل يخضع للجناح العسكري.


في ظل هذا الانقسام، انضم عمران إلى تحالف سياسي – عسكري بقيادة عفلق والبيطار وأمين الحافظ. لكن الخلافات تعمقت، خاصة بعد تصاعد شعبية عمران داخل الجيش، وهو ما اعتُبر تهديدًا لموقع جديد والأسد.


مع اتساع الشروخ داخل الحزب، قررت القيادة إقصاء محمد عمران، فعُيّن سفيرًا في إسبانيا بتهمة التحريض الطائفي. عاد لاحقًا ليتولى وزارة الدفاع في كانون الأول 1965، لكن لم تمضِ سنة حتى نفّذ جناح اللجنة العسكرية انقلابًا جديدًا في 23 شباط 1966، أطاح بالقيادة القومية واعتقل عمران والحافظ وآخرين.


في ما بعد، اعتُقل قادة القيادة القومية في استراحات تحوّلت إلى مراكز احتجاز. تولّى حافظ الأسد وزارة الدفاع، وبدأ بطرح صيغ مصالحة داخلية، لكن بدا أنها محاولة لامتصاص التوتر.


شهدت الفترة التي أعقبت الانقلاب محاولات لاحتواء عمران، بينها عرض من صلاح جديد لأحمد أبو صالح لتهريب عمران إلى القاهرة، في ما رآه البعض فخًا للتصفية.


في حزيران 1967، وبعد الهزيمة العسكرية في الحرب مع إسرائيل، اضطرت القيادة الجديدة للإفراج عن المعتقلين، بينهم عمران الذي غادر إلى لبنان واستقر في طرابلس.


رغم وجوده في المنفى، بقي يتمتع بتأييد عسكري واسع داخل الجيش، ما أثار قلق النظام السوري، خاصة بعد الحركة التصحيحية التي قادها حافظ الأسد في تشرين الأول 1970.


في 4 آذار 1972، اغتيل محمد عمران أمام منزله في طرابلس. تعدّدت الروايات حول مقتله: إحداها تحدّثت عن تصفيته من قبل عناصر من منظمة "الصاعقة" تحت غطاء إنساني، والثانية تقول إن مشادة مع موفد أمني من دمشق انتهت بمقتله، ما دفع حافظ الأسد إلى إصدار أمر التصفية.


شكل اغتيال عمران تتويجًا لصراع استمر عقدين بين القيادة العسكرية التي رسّخها الأسد، وتيار قومي – وحدوي مثّله عمران داخل الجيش، ورفض الإذعان لمنطق التصفيات السياسية.


تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة