لا تزال مساعي حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية تصطدم بعقبات سياسية وأمنية، في ظل تعثّر المفاوضات بين الوسيط الأميركي توم برّاك ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الذي يتولى النقاش باسم "حزب الله". هذا الجمود ينسحب بدوره على ملف جمع السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات، بعدما تبيّن أن التعهد الذي قطعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت غير قابل للتنفيذ.
ورغم تكليف عزّام الأحمد، أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية والمسؤول عن الملف اللبناني، متابعة المهمة مع السلطات اللبنانية وفق جدول زمني متفق عليه، فإن الجمود يخيّم على العملية. الأحمد صرف النظر عن المجيء إلى بيروت بعد عطلة عيد الأضحى، نتيجة تقييم داخلي بأن "فتح" لم تعد تملك أدوات السيطرة على المخيمات، ولا تملك مرجعية تنظيمية واحدة تُمكّنها من فرض الانضباط وتسليم السلاح، خاصة في مخيم عين الحلوة.
وعلم أن الوفد الذي أرسلته السلطة الفلسطينية، والمؤلف من 16 ضابطًا وسياسيًا برئاسة ضباط كبار من رام الله، لم يأتِ لبحث جمع السلاح مباشرة، بل ركّز على إعادة هيكلة تنظيم "فتح" في لبنان، وإطلاق عملية تأديبية داخلية تشمل إعفاءات وتغييرات، منها إقالة السفير أشرف دبّور وعدد من القيادات التي تمردت على أوامر رام الله وأقامت علاقات موازية مع فصائل مناوئة، أبرزها داخل مخيم عين الحلوة.
وتقول مصادر لبنانية إن الوفد استعان بمدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، في محاولة للضغط على مسؤولي "فتح" في لبنان من أجل استعادة زمام المبادرة، وتكريسها كقوة مسؤولة تمهّد لجمع السلاح، لا سيما في المخيمات الواقعة تحت سيطرتها المباشرة مثل صبرا وبرج البراجنة ومار الياس. لكن الواقع الميداني أظهر أن "فتح" مخترقة أمنيًا، وتعاني من انقسامات داخلية وفساد واسع النطاق، ما حال دون الشروع في تنفيذ التزاماتها.
وترى المصادر أن استمرار التذرع بموقف "حزب الله" لتبرير تأجيل جمع السلاح الفلسطيني لم يعد مقبولًا، خصوصًا أن هذا السلاح لم يعد يُستخدم في مواجهة إسرائيل، بل بات يُستثمر في النزاعات الداخلية وحماية مطلوبين للقضاء اللبناني، مهددًا الأمن المحلي ومفاقمًا الاحتقان في المناطق المحاذية للمخيمات.
وبينما تحاول السلطة الفلسطينية إعادة الاعتبار لتنظيم "فتح" كمرجعية واحدة في لبنان، تبقى العقبة الكبرى في تعدد مراكز النفوذ داخل الحركة، وافتقارها لقيادة موحدة تتّبع توجيهات رام الله، ما يضع علامات استفهام كبرى حول مدى قدرتها على تنفيذ تعهّد الرئيس عباس. وفي الوقت الذي ترفض فيه "حماس" تسليم سلاحها بذريعة أنها غير ممثّلة في منظمة التحرير، يُخشى أن تواصل فصائل متشددة استغلال التباينات الفلسطينية لفرض أمر واقع داخل المخيمات، خصوصًا في عين الحلوة، الذي أصبح ملاذًا لمطلوبين بتهم إرهابية.
وبناء على ذلك، يُطرح سؤال جوهري: هل تنجح "فتح" في ترتيب صفوفها والانضواء تحت سقف الدولة اللبنانية للمساهمة في إنهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي، أم أن واقع الانقسام سيتكرّس كحالة دائمة تُعيق أي معالجة جدية لهذا الملف؟