"ليبانون ديبايت"
الخميس 31 تموز ليس يوماً عادياً في المجلس النيابي. إنه اليوم الذي قررت فيه السلطة السياسية أن تمرّر، على عجل، قانون استقلالية القضاء، في صفقة سياسية بامتياز، لا علاقة لها لا بالاستقلالية ولا بالإصلاح، بل بالمكاسب الطائفية والصفقات تحت الطاولة.
رئيس مجلس النواب نبيه بري خرج من هذه الجولة بمكسب ذهبي للطائفة الشيعية، عبر تثبيت مقعد حكمي شيعي داخل مجلس القضاء الأعلى، في خطوة يعتبرها المطلعون أعظم إنجاز سياسي للطائفة داخل الجسم القضائي منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي أكثر مراحلها ضعفاً. هذا ما يفسر الحماسة المفرطة التي أظهرها بري لدفع المشروع قدماً، حتى لو جاء على حساب التوازن الوطني والميثاقية.
لكن الفضيحة الحقيقية لم تكن في ما ناله بري، بل في ما خسره المسيحيون. هنا تبرز الأسماء: “القوات اللبنانية” ممثلة برئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان وعضو اللجنة النائب "القاضي" جورج عقيص، بالإضافة إلى أعضاء آخرين، ووزير العدل الكتائبي عادل نصار. هؤلاء، جميعاً، مرّروا المشروع بصمت، وأحالوه إلى الهيئة العامّة من دون أن يرفّ لهم جفن، رغم أنه يهمّش الحضور المسيحي الفاعل في القضاء ويضرب الميثاقيّة في الصميم.
مجلس القضاء الأعلى الجديد يتألف من عشرة أعضاء: أربعة حكميين، أربعة منتخبين، واثنان يختارهما الأعضاء الثمانية. لكن كل من يعرف كيف تُدار السلطة القضائية في لبنان، يدرك أن الأعضاء الحكميين الأربعة هم السلطة الفعلية، بحكم مواقعهم وصلاحياتهم، فيما البقية مجرد ديكور مؤسساتي.
هؤلاء الحكميون هم: الرئيس الأول لمحكمة التمييز، رئيس مجلس القضاء الأعلى (ماروني) – صلاحياته محصورة داخل المجلس؛ المدّعي العام التمييزي (سني) – صاحب اليد الطولى ورئيس النيابات العامة؛ رئيس هيئة التفتيش القضائي (سني) – صاحب سلطة المحاسبة المباشرة على القضاة بالإضافة إلى صلاحيات تفوق صلاحيات وزير العدل أحياناً، ورئيس معهد الدروس القضائية (شيعي) – صاحب التأثير على كل القضاة المتدرجين. والنتيجة؟ ثلاثة مسلمين مقابل ماروني واحد.
هكذا، وبدم بارد، جرى تكريس خلل طائفي صارخ في أهم مؤسسة قضائية في لبنان، بينما الأحزاب المسيحية مشغولة بخطابات السيادة والحقوق، وتتغنّى بالحضور القوي، فيما هي تفرّط بمواقعها الأساسية في الدولة، وتتنازل عن دورها في حماية التوازن الوطني.
هذا ليس قانون استقلالية القضاء، بل قانون تكريس الهيمنة داخل القضاء، وإذا مرّ كما هو، فإنه سيفتح الباب أمام سيطرة سياسية وطائفية محكمة على رأس الهرم القضائي، ويحوّل الميثاقية إلى شعارات فارغة. الكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية، فإذا لم يتحرك فوراً لوقف هذه المهزلة، فإن التاريخ سيسجّل أن الحضور المسيحي في القضاء قُصفت أجنحته من داخل بيته السياسي قبل أن يتعرض لأي هجوم خارجي.