اقليمي ودولي

عربي بوست
الخميس 31 تموز 2025 - 16:47 عربي بوست
عربي بوست

في زمن التَخاذُل الدولي... الرئيس الكولومبي: موقفنا ثابت تجاه غزة!

في زمن التَخاذُل الدولي... الرئيس الكولومبي: موقفنا ثابت تجاه غزة!

خلال عقد الثمانينيات، وفي ليلة ساكنة تحت لمعان النجوم في صحراء ليبيا، كان يجلس شاب يُدعى "إنان لورا" بين مقاتلين لا تجمعهم لغة ولا عِرق. حوله كانت القيثارة تعزف ألحانها، وعلى الأرض ترقد الأسلحة وطلقات الرصاص.


كان إنان قد وصل من كولومبيا، يحمل همّ بلده الذي مزقته الحرب الأهلية، ليتلقى تدريبه العسكري إلى جانب حركات تحرر عالمية: إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية، وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة نيلسون مانديلا. ربما لم يكن يعرف العربية، وربما ما سمعه هناك لم يكن غريباً عليه؛ كانت حكايات الاستعمار والمنفى والمقاومة تشبه ما يحمله في ذهنه وقلبه، لكنها جاءت من فم آخر، بلغة أخرى، أكدت له أن المعركة واحدة، وإن اختلفت الجغرافيا.


فبعد أكثر من أربعين عاماً، وتحديداً في آذار 2024، وقف غوستافو بيترو، أول رئيس يساري لكولومبيا، في منطقة قرطبة شمال البلاد، وذكر اسم رفيق السلاح القديم لورا في خطاب أمام شعبه، وقال: "إينان لورا، لمن أراد معرفة التاريخ، تلقى تدريبه مع حركة M-19 في صحراء ليبيا. تخيّلوا ذلك: تلقى التدريب مع مناضلي منظمة التحرير الفلسطينية. لماذا أدافع عن فلسطين؟ لأن لنا الجذر نفسه."


ذلك الجذر، على ما يبدو، ضارب في عمق روح الرئيس الكولومبي. ففي أواخر السبعينيات، التحق بيترو – وهو في السابعة عشرة – بحركة M-19، التنظيم اليساري المسلح الذي خاض حرب عصابات ضد الدولة الكولومبية وتحالفاتها من الميليشيات اليمينية الموالية للاستعمار.


وبرغم أن بيترو لم يكن حاضراً معهم في صحراء ليبيا، إلا أنه ظل يحمل حكايات رفاقه في السلاح ويؤمن بها. فبالنسبة له، لم تكن تلك الصحراء موقعاً للتدريب فحسب، بل مسرحاً التقت فيه أحلام شعوب مقهورة من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.


لذلك، حين يتحدث عن فلسطين، لا يستخدم لغة التضامن السطحي أو الشعارات الجاهزة، بل يستدعي تاريخاً مشتركاً من القمع والمنفى والمطاردة. فنجده يقول: "ذهبنا إلى هناك، إلى الصحراء الكبرى، تحت النجوم… نحن حلفاء العرب في نضالهم من أجل وطن. نحن أيضاً أردنا أن يكون لنا وطن".


لذلك، لا يتحدث بيترو عن غزة كأنها بلد بعيد منكوب، ولا يلفّها بخطاب الشفقة أو المجازفة السياسية.


وعيه الأممي، الذي تشكّل مبكراً، قام على قناعة راسخة: كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار الاستيطاني ليس معزولاً، بل هو جزء حي من نضال شعوب الجنوب في وجه الإمبريالية والظلم البنيوي الذي يعيد إنتاج القهر حول العالم. هذا الإرث اليساري، المتجذر في أعماقه، لم يفارقه؛ من ليالي النضال المسلح إلى قصر الرئاسة وأروقة القرار. وكما رأى في الاحتلال الإسرائيلي امتداداً لفضائع الإبادة في التاريخ، رأى في موت فلسطين موتاً للمعنى نفسه. فنراه يقول: "إذا ماتت فلسطين، تموت الإنسانية".


وُلد غوستافو فرانسيسكو بيترو عام 1960 في مقاطعة قرطبة بكولومبيا، وانتقل مع عائلته إلى العاصمة بوغوتا هرباً من الفقر والعنف. تشكّل وعيه السياسي منذ طفولته متأثراً بوفاة تشي غيفارا وانقلاب تشيلي على الرئيس أليندي. في السابعة عشرة انضم إلى حركة التمرد اليسارية المسلحة "M-19"، لكنه لم يبرز كمقاتل، واتجه لاحقاً للعمل السياسي بعد حلّ الحركة عام 1990.


انتُخب نائباً في البرلمان، واكتسب سمعة قوية في مكافحة الفساد والدفاع عن العدالة الاجتماعية، قبل أن يصبح عمدة بوغوتا بين 2012 و2015. بعد محاولتين فاشلتين، فاز في 2022 برئاسة كولومبيا كأول رئيس يساري في تاريخها، حاملاً أجندة إصلاحية ركزت على العدالة الاجتماعية والتحول الاقتصادي، رغم مقاومة اليمين وصعوبات تمرير إصلاحاته.


على الصعيد الخارجي، عُرف بمواقفه المؤيدة لفلسطين ومعارضته لسياسات إسرائيل، في قطيعة مع تاريخ طويل من التحالف العسكري بين بوغوتا وتل أبيب. منذ توليه الحكم، عبّر عن رفضه للحصار على غزة، وانتقد صمت المجتمع الدولي، مؤكداً انحيازه لحقوق الشعب الفلسطيني.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة