"ليبانون ديبايت" - المحرر السياسي
قبل يومين، ألقى رئيس الجمهورية جوزاف عون خطاباً وُصف بالتاريخي في مناسبة عيد الجيش، حمل في طياته ما يمكن اعتباره تحوّلاً نوعياً في الخطاب الرسمي اللبناني. للمرة الأولى، يسمّي رئيس لبناني “حزب الله” بالاسم في سياق الحديث عن حصر السلاح بيد الدولة، في خطوة كسرت المحرمات السياسية التي سيطرت على المشهد لعقود، وحوّلت ملفاً شائكاً طالما كان مادة للتلميح إلى موضوع مباشر على طاولة القرار الرسمي.
ما ميّز هذا الخطاب أنه لم يأتِ في سياق المزايدات السياسية أو السجالات الشعبوية، بل جاء ضمن رؤية واضحة وخطة عملية، وُضعت في مذكرة رسمية ستُعرض على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل. المذكرة، التي أعدّها الرئيس بالتنسيق مع رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، نصّت على “بسط سلطة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني”. بذلك، انتزع الرئيس الملف من بازار الاستهلاك السياسي ووضعه في الإطار المؤسساتي، حيث يصبح جزءاً من مشروع وطني جامع لا يحتمل المناورة أو التوظيف الفئوي.
عون لم يكتفِ بالتسمية المباشرة، بل وجّه رسالة واضحة إلى بيئة الحزب، داعياً إلى الرهان على الدولة وحدها، ومؤكداً أن استمرار السلاح خارج الشرعية سيحوّل التضحيات إلى خسائر ويهدد بقاء الدولة. عبارته اللافتة “لا سلاح أضمن من سلاح الجيش، ولا قيادة أوثق من قيادته، ولا ولاء أثبت من ولائه للبنان” لم تكن مجرد جملة بل كانت إعلاناً لمعادلة جديدة، تضع المؤسسة العسكرية في قلب الضمانة الوطنية للسيادة والأمن.
الأهمية الاستثنائية لهذا الموقف تكمن في أنه المرة الأولى التي يتبنى فيها رئيس الجمهورية هذا الطرح الصريح من موقعه الدستوري، متحمّلاً ما قد يرافقه من ضغوط داخلية وخارجية. أكثر من ذلك، فقد أقدم عون على حماية الدولة من تداعيات اقتصادية وعسكرية خطيرة كانت ستواجه لبنان لو بقي الملف بلا قرار رسمي، واضعاً نفسه في الصف الأول لتحمّل الصدمة، ومثبتاً مرة أخرى أنه يقدّم مصلحة البلاد على أي اعتبار آخر.
ردود الفعل على الخطاب عكست حجم الأثر الذي أحدثه. فقد أشادت به أوساط سياسية وإعلامية محلية وعربية، معتبرة أن هذه الخطوة نقلت النقاش من دائرة الشعارات الفضفاضة إلى سكة الحل العملي. وفي المقابل، أبدت بعض الأطراف تحفظها، لكنها لم تستطع تجاهل أن الخطاب فتح صفحة جديدة في التعامل مع ملف السلاح. وعلى المستوى الشعبي، لاقى الخطاب تفاعلاً واسعاً، حيث عبّر كثيرون عن ارتياحهم لسماع رئيس يتحدث بلغة رجل دولة، يضع مصلحة لبنان وسيادته فوق كل اعتبار.
بهذا الخطاب، رسّخ جوزيف عون صورته كرئيس يتصرف بمواصفات رجل دولة حقيقي، لا يكتفي بالمواقف المبدئية بل يطرح حلولاً قابلة للتطبيق من داخل مؤسسات الدولة. والأهم أنه أطلق دينامية سياسية جديدة قد تغيّر مسار النقاش حول السلاح في لبنان، وتضعه على سكة المعالجة الجدية للمرة الأولى منذ عقود.