يلفت الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن من يتابع الأسلوب الأميركي الجديد الذي يتميز اليوم بالفوضى والمشهدية، على عكس الأسلوب القديم الذي كان له إخراج مدروس أكثر، يصل إلى خلاصة أن الولايات المتحدة الأميركية ليس لديها استراتيجية واضحة، ولا قواعد ثابتة تلجأ إليها، وتفتقد للقيم والأخلاق التي يمكن أن تلتزم بها.
ومن هذا المنطلق، يعتبر أن منطق الصفقة هو الذي يدير شؤونها انطلاقًا من مصالحها الذاتية، فهذا ما يعنيها بالدرجة الأولى، أما الباقي فلا تكترث له، لا مصير لبنان، أو الوضع الفلسطيني أو سوريا. لذلك يظهر جليًا أن مقاربتها لكل شؤون العالم متضاربة، ومتباينة، ومزاجية، فسياستها اليوم تعتمد على "اللايقين".
ويستند إلى هذا التوصيف بما يحصل على أرض الواقع من تبدل في الموقف الأميركي خلال وقت قصير من أي ملف، ويرفض فكرة أن الولايات المتحدة تعتمد على الخطط المتدرجة، بل هي ترمي بها دفعة واحدة لتترك العالم بعدها يتخبط بالفوضى والضياع والغموض، وتنال في النهاية ما تسعى إليه في الباطن.
وبالنسبة للأميركي، وفق أبو زيد، لا يوجد شيء ثابت، فبرأيه يمكن أن يذهب الأميركي إلى حوار مباشر مع حزب الله للملمة الوضع، ولكن في المقابل قد يشجع إسرائيل على ضربة عسكرية لاجتياح لبنان، وهذان الخياران هما ضمن النسبة نفسها القابلة للتطبيق.
ويشير إلى ما يعتمده الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وراء تصريحاته المتناقضة، والتي لا ترتبط بالوضع السياسي بقدر ما يحاول من خلالها التأثير على الواقع النقدي والاقتصادي في أميركا، لأن جلّ ما يهتم به هو الوضع الاقتصادي هناك، لذلك يعتمد أسلوب التضارب في المواقف في كل أنحاء العالم وفق المصلحة الاقتصادية الأميركية.
وفي الإطار نفسه، يُلحظ التضارب الأميركي في التعاطي مع الملف اللبناني، سواء عبر تغيير الموفدين أو تغيير المواقف، ولا توجد بالتالي ثوابت في التعامل مع الوضع اللبناني وكيفية الحل.
ولا يتوقع أي تعاطٍ أميركي مختلف بعد إقصاء براك، فالمشهد لن يتغير، وينبه إلى أن الأميركي قام من خلال براك بـ"جس النبض"، أي قاموا باختبار، وعلى أساسه سيتعاطون إما بالتصعيد أو المهادنة، ومن هنا يُتخذ القرار لديهم بتغيير الموفد أو الإبقاء عليه، فالهدف أن يجددوا "ألاعيبهم" بأسلوب آخر.
ويحذر من الأسلوب الأميركي الذي انعكس على الإعلام، فالمخابرات والسياسة الأميركية تدير الإعلام بالطريقة نفسها، والخطر أنه يمكن أن يؤدي إلى حرب إعلامية لن يسلم الداخل الأميركي منها، حيث قد تنتشر الفوضى هناك، لا سيما أن هناك أزمة اقتصادية جدية داخل الولايات المتحدة، حيث تنتشر مظاهر الفقر في الطرقات الأميركية بشكل لافت.
فالتخبط في الإدارة، برأيه، يولّد الأزمات، ولكن رغم ذلك، لا تزال الولايات المتحدة الأقوى في العالم، بعد سقوط الرهان على دور روسي أقوى، ولكن الأحداث التي تجري مؤخرًا في المنطقة تدل على أن أميركا هي التي تحكم العالم منفردة وسط عجز روسي ودولي لمواجهتها.