رسم الكاتب البريطاني جوناثان فريلاند في مقال لاذع نشره عبر موقع صحيفة "غارديان" البريطانية، صورة قاتمة لمستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مؤكداً أن عزلة إسرائيل الدولية لم تعد مجرد احتمال بل أصبحت واقعاً ملموساً، وسط تنامي الغضب العالمي إزاء المأساة الإنسانية في غزة. وأشار فريلاند إلى أن التحول الدولي المفاجئ، الذي قادته دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وكندا نحو الاعتراف بدولة فلسطين، يضع إسرائيل أمام مفترق طرق دبلوماسي حرج، في ظل الضغوط المتزايدة لإنهاء الحرب والمجاعة في القطاع.
وأوضح الكاتب أن اعتراف بريطانيا وفرنسا وكندا بدولة فلسطين يحمل دلالة سياسية كبيرة، لكونه صادراً عن ثلاث دول من مجموعة السبع، لتنضم إلى أكثر من 140 دولة سبق أن اتخذت القرار نفسه. وجاء هذا الاعتراف بالتزامن مع مؤتمر أممي في نيويورك شاركت فيه 125 دولة، لتأكيد دعمها لحل الدولتين، في رد مباشر على السياسات الإسرائيلية التي عطلت أي مسار تفاوضي حقيقي.
وبيّن فريلاند أن نتانياهو لجأ إلى مقارنات مثيرة للجدل، متهماً الغرب بتكرار "خطأ ميونخ 1938" عندما تم استرضاء هتلر، واعتبر أن الاعتراف بدولة فلسطين بمثابة مكافأة لـ"حماس" على هجمات السابع من تشرين الأول. لكن الكاتب رأى أن هذا الطرح يتجاهل حقيقة أن البيان الأممي الأخير أدان هجمات حماس وطالب بنزع سلاحها وتسليم غزة للسلطة الفلسطينية، ما يوضح أن الاعتراف يهدف لإحياء مسار الدولتين بقيادة السلطة الشرعية، وليس لدعم الفصائل المسلحة.
وتطرق المقال إلى المخاوف التي أبدتها بعض الأوساط في بريطانيا من أن الاعتراف قد يضعف فرص إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، لكنه نقل عن مؤيدي الاعتراف قولهم إن حماس أصلاً لا تؤمن بحل الدولتين، وبالتالي فإن التراجع عن الاعتراف لن يدفعها للتفاوض، بل سيعزز موقفها الرافض لأي تسوية سياسية.
وأكد فريلاند أن هذه الخطوة، رغم رمزيتها السياسية، لم تغيّر واقع غزة حيث لا تزال آلة الحرب الإسرائيلية تحصد الأرواح، فيما يواصل نتانياهو تجاهل الضغوط الدولية باستثناء الدعم القادم من حلفائه الجمهوريين في الولايات المتحدة. لكنه حذر من أن هذه الإستراتيجية باتت محفوفة بالمخاطر، خصوصاً مع بروز جناح جمهوري أمريكي أكثر تحفظاً تجاه إسرائيل، وسعي الرئيس السابق دونالد ترامب إلى تقديم نفسه كصانع سلام عالمي.
وحذّر الكاتب من أن العزلة الاقتصادية قد تمثل التهديد الأخطر لإسرائيل، خاصة إذا فقدت أسواقاً رئيسية كشركاء الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. فالضغط الاقتصادي الناجم عن التراجع في العلاقات التجارية قد يكون أكثر تأثيراً من أي حملة عسكرية أو إعلامية، في وقت بدأت فيه مظاهر المقاطعة الشعبية تظهر، حتى في الوجهات السياحية، كما حدث مؤخراً في اليونان.
ورأى فريلاند أن بريطانيا اختارت توقيت الاعتراف بعناية، معتبرة أنه يجب القيام بهذه الخطوة "بينما لا يزال هناك ما يمكن الاعتراف به"، في إشارة إلى تصريحات الوزير البريطاني ويس ستريتينغ، التي تعكس نفاد صبر الغرب من السياسة الإسرائيلية الحالية وتآكل المصداقية الدولية لها.
واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن المجتمع الدولي يعيد رسم مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، وأن استمرار إسرائيل في تحدي الإرادة الدولية سيعمّق عزلتها السياسية والاقتصادية، ما سينعكس سلباً على علاقاتها الدولية ووضعها الاقتصادي وصورتها في الوعي العالمي. وختم بالقول: "العالم يتغيّر، وعلى نتانياهو أن يدرك أن تجاهل هذه الحقيقة قد يكون مكلفاً في المدى القريب والبعيد".