"ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي
دخل قرار مفوضيّة الاتحاد الأوروبي بوضع لبنان على قائمة الدول "عالية المخاطر" في مجال غسل الأموال، المعروفة بالقائمة المالية السوداء، حيّز التنفيذ منذ شهر تقريبًا، بعد عدم اعتراض أي نائب في الاتحاد الأوروبي، كما تنص القوانين الأوروبية. لكن تسليط الضوء على القرار في هذا التوقيت في لبنان مردّه إلى سببين: الأول، تأثيره على تحويلات الطلاب اللبنانيين مع اقتراب العام الدراسي الجديد؛ والثاني، تأثيره على حركة الاستيراد والتصدير بالنسبة للتجار اللبنانيين الذين تمر تحويلاتهم عبر مصارف مراسلة أوروبية.
لا شك أن القرار يعكس عزلة مالية متفاقمة يعيشها لبنان، ومؤشرات متزايدة على انهيار ثقة المجتمع الدولي به، في حال لم يسارع إلى تنفيذ الإصلاحات المالية المطلوبة. للتذكير، فإن إدراج لبنان على لائحة مجموعة العمل المالي (فاتف) في تشرين الأول 2024، ثم على اللائحة السوداء الأوروبية، جاء نتيجة اعتماده على الاقتصاد النقدي وتلكّئه في تنفيذ قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب غياب الشفافية في آليات عمل الدولة والمصارف، وعدم تطبيق إصلاحات مالية وقضائية وإدارية مطلوبة منذ اندلاع الأزمة في 2019.
غبريل: لا صحة للقول بتوقّف العلاقات مع المصارف المراسلة
يُوضح الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الأبحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ"ليبانون ديبايت" أن "الإجراء الأوروبي استند إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي (فاتف)، التي وضعت 10 توصيات اتفقت على تنفيذها مع السلطات اللبنانية في تشرين الأول 2024، ضمن مهلة تنتهي في 2026، ليُعاد بعدها تقييم الوضع".
وذكّر غبريل بأن "فاتف كانت قد أصدرت في أيار 2023 تقريرًا من 360 صفحة تضمّن تقييماً لإجراءات لبنان في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكشف عن ثغرات عدّة لم تتم معالجتها، ما أدى إلى إدراجه على اللائحة الرمادية".
وأضاف: "منذ كانون الأول 2023، بدأت المصارف المراسلة باتخاذ إجراءاتها مع المصارف اللبنانية، ومنها تشديد الالتزام بمعايير الامتثال والتدقيق ومعرفة العميل. غير أن نقاط الضعف لا تتعلّق بالمصارف نفسها، بل بغياب الإصلاحات في الاقتصاد غير الرسمي، وغياب الرقابة الفعلية، والإجراءات القضائية والأمنية".
وشدّد على أن "الوضع لن يؤثر بشكل كبير على تحويلات أهالي الطلاب إلى أوروبا، إنما سيخضع لمزيد من التدقيق. أما المخاوف من توقف علاقات لبنان المالية مع العالم فهي مبالغ بها".
البواب: التحويلات ستتطلّب وقتًا وتكلفة إضافية لكنها لن تتوقف
يتفق الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب مع هذا التقييم، مشيرًا لـ"ليبانون ديبايت" إلى أن "وضع لبنان على اللائحة السوداء هو ضغط سياسي بالدرجة الأولى، لدفعه إلى ضبط اقتصاد الكاش، الذي يشكّل جزءًا كبيرًا من التعاملات المالية منذ 2019، وهو أمر محظور عالميًا".
وقال إن "المؤسسات المالية العالمية تعرف أن مصرف لبنان والمصارف اللبنانية تلتزم بالإجراءات المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال، وبالتالي لا تأثير مباشرًا لهذا التصنيف على عمليات الاستيراد والتصدير، بل مزيد من التدقيق، وارتفاع الكلفة، وتأخير في التحويلات، من دون أن تتوقف نهائيًا".
الخوري: النظام المالي اللبناني لم يعد محلّ ثقة
أما الخبير المالي والاقتصادي البروفيسور بيار الخوري، فيقول لـ"ليبانون ديبايت" إن "القرار الأوروبي ليس مجرد تصنيف تقني، بل هو إنذار واضح بأن النظام المالي اللبناني لم يعد موضع ثقة، وهو نتيجة تراكمات من التهرّب من الإصلاحات، وغياب الشفافية، وضعف الرقابة".
وأشار إلى أن "لبنان بات يُعامل كبيئة خصبة لتبييض الأموال، وفي بلد يعتمد على تحويلات المغتربين، فإن إدراجه على اللائحة السوداء يشكّل ضربة مزدوجة: تعقيد إجراءات الحوالات، وتراجع ثقة المستثمرين".
وأوضح أن "القطاع المصرفي لم يعد قادرًا على التفاعل مع المصارف الأوروبية كالسابق، ما سيؤخّر التحويلات التجارية ويجعل الاعتمادات المستندية شبه مستحيلة. أما اقتصاديًا، فإن القرار سيزيد الضغط على الليرة، وسيرفع كلفة السلع المستوردة، ما يعني تضخمًا إضافيًا. كذلك، فإن تدفق العملات الأجنبية عبر القنوات الرسمية سيتقلّص لصالح السوق السوداء".
ورأى أن "ردود الفعل المحلية كانت خجولة؛ الحكومة لم تتخذ موقفًا، ومصرف لبنان في موقع الدفاع. أما على الصعيد الدولي، فقد يكون هذا القرار آخر أدوات الضغط الأوروبي على الطبقة السياسية اللبنانية بعد استنفاد النُصح والدعم".
وختم بالقول: "الخروج من هذا الوضع ممكن، لكنه يتطلب إرادة حقيقية: قوانين شفافة وصارمة، قضاء مستقل، والتزام سياسي جدّي. وإلا، فإن لبنان ماضٍ نحو اقتصاد يعمل خارج القانون وخارج العالم".