كشفت صحيفة فايننشال تايمز أن المسؤولين الإسرائيليين تلقوا، في الأيام التي تلت الهجوم المفاجئ الذي شنّته إسرائيل على إيران، سيلاً من الرسائل النصية المشبوهة التي احتوت على روابط خبيثة، مرجّحين أن طهران تقف خلفها.
وبحسب الصحيفة، تراوحت الهجمات الأخيرة بين سرقة منصة تداول عملات مشفرة إيرانية، وتصاعد محاولات التصيد الإلكتروني الموجّه لشخصيات إسرائيلية بارزة، عبر رسائل انتحلت هويات دبلوماسيين وحتى مكتب رئيس الوزراء، وفق ما أفادت به شركة الأمن السيبراني "تشيك بوينت". وأوضحت أن الحرب الرقمية لم تتوقف رغم انتهاء القتال الفعلي بعد 12 يومًا، إذ استمرت هذه الهجمات بوتيرة متصاعدة.
ووفق بوعز دوليف، الرئيس التنفيذي لشركة الاستخبارات السيبرانية الإسرائيلية ClearSky، حاولت جماعات موالية لإيران، بعد وقف إطلاق النار، استغلال ثغرة في برنامج خادم "مايكروسوفت" لمهاجمة شركات إسرائيلية، مشيرًا إلى أن المعارك السيبرانية لم تهدأ رغم توقف العمليات العسكرية.
وتعود جذور المواجهة السيبرانية بين الجانبين إلى سنوات، إذ يُعتقد أن إسرائيل، بالتعاون مع الولايات المتحدة، كانت وراء فيروس "ستوكسنت" الذي عطّل أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية عام 2010، فيما نُسبت لإيران هجمات على البنية التحتية للمياه في إسرائيل عام 2020. وخلال الحرب الأخيرة، نفّذت إسرائيل، بحسب تقارير، هجمات سيبرانية عطّلت أنظمة الدفاع الجوي الإيراني في بداية الغارات الجوية في 13 حزيران/يونيو، وساعدت حملة تجسس إلكترونية مسبقة على جمع معلومات دقيقة عن علماء ومسؤولين عسكريين إيرانيين، ما مكّن من تحديد أماكن أكثر من 12 منهم وتصفيتهم في الضربة الأولى.
وفي ذروة المواجهة، أقدمت مجموعة قرصنة تُدعى "غونجيشكي داراندي" والمُعتبرة موالية لإسرائيل، على "حرق" 90 مليون دولار من عملات مشفرة تخص منصة "نوبيتكس" الإيرانية، وهاجمت بنكين رئيسيين هما "سباه" الحكومي و"باسارجاد" الخاص، ما أدى إلى تعطيل مراكز البيانات والخدمات البنكية.
في المقابل، شنّت جماعات مرتبطة بإيران هجمات اختراق وتسريب طالت نحو 50 شركة إسرائيلية، مستهدفة خصوصًا الشركات الصغيرة في سلاسل التوريد، بينها شركات لوجستية ووقود وموارد بشرية، وسرّبت بيانات آلاف الإسرائيليين العاملين في قطاعات الدفاع والأمن. كما أرسلت رسائل مزيفة بدت صادرة عن نظام الإنذار الإسرائيلي الداخلي، دعت السكان لتجنّب الملاجئ خلال الغارات، وحاولت اختراق كاميرات المراقبة لرصد مواقع سقوط الصواريخ.
ورغم هذه الهجمات، يرى خبراء إسرائيليون أن تأثيرها المباشر كان محدودًا، مقارنة بالأضرار التي لحقت بإيران، حيث دعا كبار المسؤولين هناك إلى خطط عاجلة لتعزيز القدرات السيبرانية، وسط اعتراف بوجود نقاط ضعف ناتجة عن مركزية البيانات الحكومية.
ويؤكد محللون أن الهجمات الإلكترونية ستبقى أداة مفضلة للرد بين الجانبين، باعتبارها أقل تكلفة سياسيًا من العمل العسكري المباشر، وبفضل ما توفره من هامش "إنكار معقول" يسمح بمواصلة التصعيد دون خرق ظاهر لوقف إطلاق النار الذي رعاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.