"ليبانون ديبايت"
بعد أشهر من تصريحات النائب السابق، وليد جنبلاط وعمله المضني في سبيل بسط سلطة أحمد الشرع على محافظة السويداء السورية، وهجومه العنيف على المراجع الروحية الدرزية في سوريا وإسرائيل، قرر البك العودة إلى لغة فصل المسارات بين الدروز، والحياد السلبي.
ويروي أحد المتابعين للشؤون الدرزية الداخلية، أن جنبلاط قرأ الواقع في سوريا بشكل خاطئ منذ يوم سقوط نظام بشار الأسد، فعوضًا عن التوجه إلى السويداء التي تُعد حاضنة الدروز في سوريا، فضّل زيارة أحمد الشرع ووقف أمامه متوجهًا إليه بالقول: "سيدي القائد". العبارة هذه هزّت أنصاره قبل خصومه، وهم من تعوّدوا على فكرة أن جنبلاط يُستقبل في مراكز القرار بوصفه أحد مهندسي السياسة اللبنانية بشكل عام، والدرزية بشكل خاص على مستوى الشرق الأوسط.
الرئيس السابق للاشتراكي، لم يستمع إلى النصائح التي وصلته من أعلى المراجع الروحية الدرزية، وعلى العكس فقد وضع نصب عينيه النيل من الرئيس الروحي للموحدين في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، ثم أدار نيران انتقاداته إلى الرئيس الروحي في سوريا، الشيخ حكمت الهجري.
ولم تقف المحاولات الجنبلاطية عند الانتقاد، بل عمد إلى العبث بالداخل الدرزي في سوريا بعكس القواعد المتفق عليها من قبل الدروز في الشرق الأوسط، والتي تقضي بعدم تدخل دروز لبنان في شؤون دروز سوريا والعكس صحيح. كما تجاهل النصيحة التي حملها مرجع روحي لطائفة الموحدين في لبنان، لممثليه جنبلاط وأرسلان على حد سواء، والتي تضمنت قوله: "اتقوا الله في أهل السويداء وجبل العرب، ودعوهم يقررون ما يرونه أفضل لهم".
لكن جنبلاط اقتنع، أو أن هناك من أقنعه، بدعم ليث البلعوس كي يسحب البساط من تحت أقدام الشيخ الهجري. وجدير بالذكر أن البلعوس أوصدت بوجهه الأبواب في السويداء منذ مطلع شباط الماضي، وعندما سُئل أحد المقربين من كبار رجال الدين في السويداء عن سبب عدم احتضان البلعوس قال: "الرجل متورط بعمليات قتل وإعدامات ميدانية بحق الدروز، وعمليات سلب ونهب وتشبيح، ونظرة المجتمع الدرزي إليه توازي النظرة إلى قاطع طريق، وبالتالي هو منبوذ من المجتمع".
غير أنه يُحسب لجنبلاط، الذي لا يشارك أحد في انتصاراته، قدرته الفائقة على جذب شركاء عند وقت الهزيمة. فبعد إشكالات الشويفات والبساتين التي خلّفت وراءها 4 ضحايا وعددًا من الجرحى والموقوفين، وعدم الاتفاق على شيخ عقل واحد للطائفة، وخسارة الانتخابات النيابية في 2022، عاد الوزير السابق، طلال أرسلان، إلى الواجهة، ولكن من بوابة مشاركة جنبلاط ليس في تمثيل نيابي أو وزاري، وإنما في تحمّل تداعيات الهزيمة. المير لم يهاجم طريف أو الهجري أو أي أحد، ولكن ظهوره المتكرر في الآونة الأخيرة إلى جانب جنبلاط، ومحاولة الرد على أسئلة رجال الدين الساخطين على البيك، والعمل على تسويق الأخير لدى كبار رجال الطائفة الدينيين، جعل منه شريكًا كاملًا في مشروع جنبلاط الذي أدرك متأخرًا وجوب حفظ الرأس عند صراع الدول. وبالتالي فإن أزمة الرجلين لن تُحل سوى بمغادرة المشهد وترك الأمور لنجليهما، على قاعدة أنهما لم يصدر عنهما أي صوت أو موقف فيما حدث بالسويداء، كي يحاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه.