"ليبانون ديبايت"
في ظلّ اتّساع رقعة المراهنات الإلكترونية في لبنان وانتقالها إلى مستوى غير مسبوق من التنظيم والتمويل، برزت شبكة جديدة تُعد الأخطر منذ انطلاق منصة Bet Arabia، يتزعمها أواديس بوغوص سركيس، المعروف باسم Avo Barouchian. سركيس، وهو سوري من مواليد حلب، دخل الأراضي اللبنانية عقب اندلاع الثورة السورية عام 2012، قبل أن يؤسّس منظومة مقامرة إلكترونية متكاملة تعمل تحت غطاء سياسي – أمني، مستفيدة من ثغرات تشريعية ومالية تجعلها أشبه بـ«شركة ظلّ» متخصصة في المقامرة غير الشرعية وتبييض الأموال عبر الإنترنت.

بدأ Avo نشاطه في هذا العالم منذ العام 2014، بالشراكة مع رجل البورصة الأول في سوريا ولبنان رياض أصلو، حيث اعتمدا على تطبيقات رقمية مثل “ليرات” ومنصات التداول غير الشرعية، لتسيير رهانات واسعة وتمرير أموال خارج الأطر المصرفية اللبنانية، بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية والرقابية، ومن دون أي مساءلة قانونية فعلية.
وفي العام 2024، أسّس سركيس شركة iChancy وجعل من منطقتي جلّ الديب والكسليك مركزًا لعملياته، مستندًا إلى شبكة علاقات مع سياسيين وضبّاط وشخصيات إعلامية، مما أتاح له إطلاق نشاط احترافي في مجال المراهنات الإلكترونية، يخفي في جوهره واحدة من أخطر الشبكات غير المرخصة في لبنان. وتستند iChancy إلى مزوّد خدمات عالمي، ما يمنحها قوة تقنية عالية تسمح بتجهيز منصات رهان متطورة، وربطها بخوادم خارجية، واستقطاب المقامرين عبر الحملات الإلكترونية والتسويق المقنّع على وسائل الإعلام، بمساعدة فريق لبناني – سوري يمتلك خبرة في إدارة حسابات كازينوهات إلكترونية عالمية.
تستفيد هذه الشبكة من الفراغ القانوني الذي يكتنف ملف المراهنات الإلكترونية في لبنان. فعلى الرغم من أنّ القانون يحصر حق تشغيل ألعاب القمار بكازينو لبنان وبعض الاستثناءات المحدودة، إلا أنّ النصوص لا تغطي الرهانات عبر الإنترنت، ما يفتح الباب أمام أنشطة غير مرخّصة تستند إلى مواد قانون العقوبات التي تجرّم المقامرة التقليدية فقط. وبينما تسمح هذه المواد بمصادرة الأموال والأدوات والحبس، فإنّ غياب تحديث تشريعي، مقرونًا بنفوذ سياسي – مالي، يوفّر مظلّة حماية فعلية تعيق الأجهزة الأمنية عن فتح تحقيقات جدّية.
ورغم تحذير لجنة تكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب منذ نيسان 2024 من أنّ شبكات المراهنات الإلكترونية باتت «أكثر خطورة من شبكات المخدرات»، ومطالبة عدد من النواب بوضع إطار تشريعي صارم يوقف التفلّت الحاصل، إلّا أنّ شبكة iChancy مستمرة في التمدد، مستفيدة من قدراتها في تشغيل المقامرة، تحويل الأموال، الابتزاز الإلكتروني، وحتى الانخراط في عمليات غسل أموال عابرة للحدود، بشكل يُنذر بتحوّل لبنان إلى ساحة مركزية لهذا النشاط.
المعطيات تشير بوضوح إلى أنّ البلاد تقف على عتبة ولادة بديل أكثر احترافًا وشراسة من Bet Arabia، مدعوم بتكنولوجيا متقدمة وشبكات نفوذ قادرة على التمويه والتوسّع. وفي غياب تشريع واضح يُنظّم المراهنات الإلكترونية أو يفرض عقوبات زاجرة على المخالفين، تبدو الحاجة ملحّة لتحرّك قضائي ومالي وأمني عاجل يوقف تمدد هذه الشبكة ويحول دون تحويل لبنان إلى منصة لتبييض الأموال، وتعميق ظواهر الإدمان والتفكك الاجتماعي تحت ستار ما يسمّى «التكنولوجيا المالية الترفيهية».
سيُواصل “ليبانون ديبايت” ملاحقة هذا الملف في تقارير لاحقة تكشف أسماء الأشخاص الذين يديرون هذه الشركة، وخططها في جذب الأموال وتوسيع نشاطاتها عبر منصات التواصل وشركات تحويل الأموال، وصولًا إلى محاسبة الجهات التي تؤمّن لها الغطاء وتمنع سقوطها.