يشهد المشهد في السويداء صراعاً داخلياً معقداً يتجاوز ما تعكسه الحشود في ساحة الكرامة. فمع انتقال الحديث عن الانفصال من الهمس إلى العلن بعد الاشتباكات الدامية بين قوات وزارة الدفاع السورية وعشائر بدوية وفصائل محلية، بدا وكأن هناك إجماعاً على القطيعة مع دمشق. إلا أنّ الواقع أكثر تعقيداً، إذ لا يزال قسم كبير من الأهالي يرى في دمشق "قبلته السياسية"، فيما ترتفع أصوات سورية تدعو إلى تحكيم العقل وتجاوز الجراح.
ورغم رفع العلم الإسرائيلي في تظاهرات غاضبة وشكر الشيخ الهجري لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنّ ذلك لا يعكس موقفاً جامعاً، إذ إنّ شريحة واسعة من الدروز لا تزال تستحضر مواقفهم الوطنية في التاريخ السوري، من مقاومة الانتداب الفرنسي إلى رفض دروز الجولان حمل الهوية الإسرائيلية لعقود.
شهادات من أبناء المحافظة تكشف عمق الانقسام. الصيدلاني خلدون يرى أنّ "النزعة التكفيرية" حكمت علاقة الدولة السورية الجديدة بالسويداء، ما برّر الجرائم التي ارتكبت بحق الأهالي رغم حيادهم عن صراع المعارضة والنظام السابق. بدوره، خالد سلوم، رئيس منظمة "جذور"، يؤكد أنّ المزاج العام منقسم بين من يرفض رفع العلم الإسرائيلي رفضاً مطلقاً، وبين من يراه شكلاً من أشكال الانتقام بعد الجرائم التي طالت الدروز، من ذبح لعائلات بأكملها وحرق قرى (33 قرية وفق توثيق شخصي) إلى اغتصاب النساء وإبادة الأطفال.
في المقابل، يشير حسام، طالب الهندسة، إلى أن المجازر رفعت أسهم الشيخ الهجري، ودفعته ليتحوّل إلى مرجعية سياسية واسعة النفوذ بعدما التحق به مشايخ كانوا متحفظين سابقاً. فيما تقول الطبيبة عبير إنها لم تعد تعتز بهويتها السورية، معتبرة أن علم البلاد لم يعد يمثلها بعدما "سُفكت دماء أهلها في ظلاله"، وترى أن رفع العلم الإسرائيلي "ليس مستغرباً" بعد ما تعرضت له السويداء.
في مقابل هذه المواقف، برزت أصوات سورية داعية إلى التمسك بالهوية الوطنية. الصحافي أدهم الطويل كتب: "أنا ابن السويداء... لا أريد الانضمام إلى كيان الاحتلال، بل أريد الانتماء إلى بلادي سوريا، حتى لو جُرحت كرامتي". كما شدد رئيس الائتلاف السوري السابق أحمد معاذ الخطيب على أن الدروز عرب أقحاح رفضوا تاريخياً الهوية الإسرائيلية، مؤكداً أن التيار الأكبر في بني معروف وطني، لكنه انتقد "التعجل" في خطوات الحكومة الحالية وفشلها في إدارة ملف السويداء.
أما المفكر الإسلامي محمد حبش فوصف رفع الرايات الإسرائيلية بأنه "مخجل ويهين الأبطال"، مؤكداً أن السويداء "لا حضن لها إلا سوريا"، داعياً إلى إطلاق حوار جديد برعاية عربية مسؤولة.
في المقابل، يحمّل آخرون، بينهم الداعية أحمد شاهين، الشيخ الهجري مسؤولية التصعيد، معتبرين أنه رفض مبادرات حكومية للحوار، وأصر على استدعاء إسرائيل لدعم مشروعه الانفصالي، ولم يتردد في شكرها على قصفها للأراضي السورية.
وبين دعوات الانفصال وأصوات العقل، يبقى المشهد في السويداء محكوماً بصراع نفسي وسياسي عميق، يختصر مأساة وطنية تعكس حجم التحديات التي تواجه سوريا الجديدة بين الانقسامات الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية.