أمن وقضاء

ليبانون ديبايت
الثلاثاء 19 آب 2025 - 21:31 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

بعد نصف قرن من حجز حرية طفلة و15 عاماً على وفاتها… حكم قضائي يُدين شقيقتين

بعد نصف قرن من حجز حرية طفلة و15 عاماً على وفاتها… حكم قضائي يُدين شقيقتين

"ليبانون ديبايت"


خمسون عاماً لم تكن عمراً، بل كانت جداراً من الصمت يُحيط بامرأة سُرقت منها طفولتها، شبابها، وحتى اسمها… كانت تُدعى سعدى س. لكنها أُرغمت على أن تعيش غريبة عن ذاتها وعن اسمها.


أيُّ وجعٍ أكبر من أن تُسجَن طفلة لا يتجاوز عمرها 15 عاماً في بيت، لا بل في بيوتٍ قُيّدت داخلها بأغلال الخديعة، وحُرمت من حريتها نصف قرن بعد إيهامها بأن أهلها ماتوا في الحرب، وأن بلدتها دُمّرت.


سعدى لم تكن خادمة، بل إنسانة اختُزل وجودها في خدمة الآخرين، وحين صرخت قائلة: “أريد حقي”، كان صوتها أوسع من خمسين عاماً من الصمت… لكنها رحلت قبل أن تنال حقها، وكشف الحقيقة بعد زمنٍ هو بمثابة ولادة متأخرة لروح أنهكها الأسر.


قصة سعدى ليست من نسج الخيال بل حقيقة امرأة ظلّت تحيا بحنين لم يخفت يوماً، سطّرها حكم قضائي صدر بعد 15 عاماً على الشكوى التي رفعتها قبل وفاتها في العام 2010 عن عمر ناهز 68 عاماً، ليتابع من بعدها القضية نحو 25 وارثاً، فيما توفي ثلاثة من المدعى عليهم، وصدر الحكم على الشقيقتين ف. ون. ع. وقضى بسجنهما ثلاث سنوات أشغالاً شاقة بجرم حجز الحرية واستعمال أوراق رسمية مزوّرة، وتخفيض العقوبة إلى سنة ونصف في ضوء ظروفهما الاجتماعية، ووقف تنفيذها، مع إلزامهما بالتكافل والتضامن بدفع 30 ألف دولار للجهة المدعية، كلٌّ بحسب حصته الإرثية، تعويضاً عن العطل والضرر.


وينشر “ليبانون ديبايت” وقائع الحكم كما صدر عن محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضية زلفا الحسن وعضوية المستشارتين القاضيتين لارا كوزاك ونانسي كرم.


وجاء في الوقائع: “المرحومة سعدى س. ولدت عام 1942 ضمن عائلة مؤلفة من خمس بنات وثلاثة أولاد، وأخذها والدها من بلدتها –إحدى قرى قضاء عاليه– خلال خمسينيات القرن الماضي للعمل لدى سيدة في الأشرفية بسبب فقر العائلة. إلا أن هذه السيدة غادرت إلى فرنسا، وحاولت سعدى العودة إلى بلدتها، فدخلت إلى دكان المرحوم ف. ع. (والد المتهمتين ف. ون. ع.) للسؤال عن “البوسطة” التي تقلها إلى بلدتها، إلا أن الأخير وزوجته المرحومة س. أخذاها إلى منزلهما للعمل كخادمة، وأوهماها بأن بلدتها دمرت بالكامل وأن أفراد عائلتها توفوا جميعاً، وأطلقا عليها اسم مريم”.


ويورد الحكم أن سعدى استمرت بالعمل لدى العائلة دون أجر لأكثر من 20 عاماً، باستثناء تأمين الطعام واللباس وثمن الدواء عند الحاجة. وبعد وفاتهما، عملت سعدى في منزل الشقيقتين المتهمتين، لا سيما ف. وزوجها المرحوم ع. أ. دون أجر أيضاً، وكذلك في منزل عمتهما وابنتيها المتهمتين حتى آذار 2007، تاريخ عودتها إلى عائلتها.


وطيلة فترة وجودها لدى آل ع.، كانت سعدى تعمل دون أجر، ومرهونة لإرادتهم وغير قادرة على تركهم، وأوهموها بأن عائلتها توفيت جميعاً، وبأنها ستُتهم بالسرقة إن غادرت.


ومع تقدمها في السنّ وعجزها، قررت المتهمتان وضعها في مأوى للعجزة، فحصلتا على بيان قيد مزوّر باسم مريم، وأرسلتا الطلب إلى مأمور نفوس جزين، ما أثار استغرابه وأدى إلى اكتشاف الحقيقة، إذ تعرّفت شقيقة سعدى عليها فوراً وأُعيدت إلى عائلتها.


وأفادت سعدى في التحقيق الأولي بأن المتهم المرحوم ع. أ. اعتدى عليها أربع مرات، وأن المتهمتين كانتا تعلمان برغبتها في العودة إلى أهلها، لكن والدتهما منعتها وهددتها بالسجن.


وخلص تقرير الطبيبين سامي القواس وسامي ريشا إلى أن سعدى كانت تتمتع بكامل قواها العقلية.


وبعد إنكار المتهمتين خلال الاستجواب، رأت المحكمة أن جرم حجز الحرية مستمر حتى العام 2007 حين انتهت حالة الاحتجاز، معتبرة أن معاملة العائلة الجيدة لسعدى وغياب عناصر الإكراه الجسدي لا يلغي توافر العنصرين المادي والمعنوي لجريمة حجز الحرية.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة