يشهد الشرق الأوسط منذ أيام تحولاً أميركياً في مقاربة الملفات الأمنية والعسكرية، مع بدء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مراجعة شاملة للحشد العسكري وتكاليفه المالية والبشرية، في خطوة تعكس رغبة البيت الأبيض في إعادة رسم دور واشنطن بالمنطقة وفق أولويات جديدة.
في هذا السياق، اختار ترامب الأميرال براد كوبر لقيادة القيادة المركزية الأميركية "CENTCOM"، وهي المسؤولة عن منطقة شاسعة تمتد من مصر إلى كازاخستان ومن عُمان إلى لبنان. ويعدّ كوبر ضابطاً رفيعاً شغل سابقاً منصب قائد الأسطول الخامس في البحرين، ثم نائب قائد القيادة المركزية، قبل أن يتولى قيادتها اليوم.
تعرف ترامب على كوبر خلال اجتماعات مع مرشحين للمنصب، ويقول مقربون إن الأخير "شخصية متفائلة تبحث دائماً عن فرص تحقيق الأهداف العسكرية والاستراتيجية"، وهو ما ينسجم مع توجهات ترامب الراغب بالابتعاد عن سياسات الإنهاك العسكري والمالي التي رافقت الإدارات السابقة.
بحسب مسؤول أميركي تحدث لقناتي "العربية" و"الحدث"، فإن الأميرال كوبر سيطرح مقاربة جديدة تواكب رؤية ترامب، تقوم على "تحديد الخطر وبناء قدرات الردع". وتُعرف هذه المقاربة باسم "الإطار" أو "SCOPE"، وتهدف إلى حصر نطاق التهديد بدلاً من الانخراط في عمليات عسكرية واسعة، مع تقييم قدرات الدول المعنية بالخطر وتحديد ما يتطلبه دور القوات الأميركية.
على مدى العقود الماضية، اعتمدت الولايات المتحدة استراتيجيات متباينة في الشرق الأوسط. ففي الثمانينات، واجهت إيران بحضور عسكري كثيف لحماية منابع النفط. وخلال رئاسة جورج دبليو بوش، كررت النهج ذاته. أما باراك أوباما فخفض الوجود العسكري المباشر، فيما تبنّى ترامب سابقاً نظرية "الحشد السريع"، أي نقل القوات جواً أو عبر الأساطيل عند الحاجة.
لكن هذه المقاربات واجهت انتقادات. أبرزها خلال قيادة الجنرال إريك كوريللا للقيادة المركزية، إذ اعتمد على "القوة الفائقة بزمن قصير"، كما في القصف الأميركي على الحوثيين في اليمن خلال ربيع العام الماضي الذي استمر 51 يوماً. ورغم تكبيد الحوثيين خسائر كبيرة، احتفظوا بقدرات وواصلوا السيطرة على مناطق واسعة وتلقوا دعماً إيرانياً. الأمر نفسه انسحب على سياسة القصف ضد إيران، التي لم توقف برنامجها النووي رغم الخسائر التي لحقت بها.
المسؤول الأميركي أوضح أن كوبر سيجري مراجعة شاملة للمخاطر في الشرق الأوسط، تشمل لقاءات مع قادة دول المنطقة لإعادة تقييم الأساليب الدفاعية والعلاقات الأمنية مع واشنطن، وصولاً إلى قرارات حول حجم وانتشار القوات الأميركية، سواء في البر أو البحر أو الجو.
ومن المتوقع أن تشمل المراجعة إعادة النظر في مواقع حساسة، من شمال شرق سوريا وقاعدة التنف، إلى العراق والكويت ودول الخليج، وصولاً إلى القاعدة الجوية الضخمة في العديد بقطر، التي تشكل أحد أهم مراكز القيادة الأميركية في المنطقة.
ورغم أن هذه المراجعة قد تُفهم في بعض العواصم على أنها تراجع في الاهتمام الأميركي، شدد المسؤولون على أن واشنطن لا تزال تعتبر الشرق الأوسط منطقة حيوية للأمن والاقتصاد العالمي. فقد اضطر أوباما نفسه إلى إرسال آلاف الجنود إلى العراق عامي 2014 و2015 بعد اجتياح "داعش"، كما تمسّك كل من جوزيف بايدن وترامب بأهمية الوجود الأميركي في المنطقة.
الاختلاف هذه المرة، وفق الرؤية التي يطرحها ترامب، هو أن على دول المنطقة أن تزيد من التزاماتها العسكرية في ما يخص الميزانيات والتدريب والتحديث، بينما تكتفي واشنطن بدعم هذه الجهود بمقاربات أقل كلفة وأكثر مرونة، عبر استراتيجية "الإطار".