المحلية

ليبانون ديبايت
الجمعة 22 آب 2025 - 07:11 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

القاضي بيطار ترك وحيداً… العدالة في مأزق

القاضي بيطار ترك وحيداً… العدالة في مأزق

“ليبانون ديبايت”

تعيش قضية انفجار مرفأ بيروت أكثر مراحلها خطورة، مع بلوغ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لحظة مفصلية قد تحدد ما إذا كان التحقيق سيتقدم خطوة نحو العدالة أو سيُطوى تحت ضغط المنظومة. فإصدار قرار ظني بلا مذكرات توقيف يعني عملياً تفريغ الملف من مضمونه، بينما إصدار القرار مع مذكرات توقيف بحق شخصيات سياسية وقضائية وازنة يضعه في مواجهة طبقة سياسية مفترسة اعتادت أن تُفلت من المحاسبة.


مصادر قضائية تؤكد أن البيطار بات يعيش شعور العزلة الكاملة. فالدعم الذي كان يستند إليه تقلّص إلى حد الغياب، حتى من الجهات التي كانت تُقدّم نفسها كحامية لمسار التحقيق. وهو اليوم بين خيارين أحلاهما مرّ: قرار يُرضي السلطة ويخذل أهالي الضحايا، أو قرار يصطدم مباشرة بالمنظومة ويجعله هدفاً لحملات منظمة وضغوط.


المشهد ازداد قتامة مع وصول الرئيس جوزيف عون إلى سدة الرئاسة. فالشخصية التي اعتُبرت يوماً مظلة حماية أساسية للبيطار باتت رأس الدولة، ما يعني أنها محصّنة دستورياً من أي تبعة، لتتكرس قناعة لدى المحقق العدلي بأن الملف لم يعد أولوية في حسابات السلطة السياسية.


وفي العمق، لا تبدو الرئاسات الثلاث والطبقة السياسية في وارد فتح جبهة جديدة داخل البلد. فالأزمات المتراكمة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تجعلها حذرة من أي صدام إضافي قد يفاقم الانهيار. لذلك تسعى جاهدة إلى تجنّب أي قرار قضائي يهزّ توازناتها، وهو ما يفسّر محاولاتها الدؤوبة لكبح مسار التحقيق أو احتوائه.


إلى جانب ذلك، يلفت مراقبون إلى أنّ الاهتمام الدولي بقضية المرفأ تراجع أيضاً. فالسفراء الذين كانوا يزورون القاضي البيطار في مكتبه لإبداء الدعم والاطلاع على مسار التحقيق امتنعوا في الفترة الأخيرة عن أي تواصل مباشر، في إشارة واضحة إلى أنّ المجتمع الدولي فقد الاهتمام، إما لأنه حقق غايته من الملف أو لأنه وجد أحداثاً أخرى أكثر أولوية وفعالية. هذا الإحجام شكّل رسالة إضافية للبيطار بأنه لم يعد يحظى بالحماية الخارجية التي كان يعوّل عليها.


منذ انطلاقه، لم يكن التحقيق في المرفأ مجرد مسار قضائي، بل تحوّل إلى معركة وجودية بين القضاء والمنظومة. فالأدوات التي استُخدمت لتعطيله تعدّدت: طعون قضائية متتالية، تعطيل ممنهج، تهويل إعلامي، ضغوط سياسية ودبلوماسية، وصولاً إلى تهديدات مباشرة. كل ذلك جعل القاضي بيطار أقرب إلى “قاضٍ معزول” يخوض معركته دون غطاء.


اليوم، يقف القاضي بيطار وحيداً أمام استحقاق تاريخي. أي قرار يتخذه سيكون كفيلاً بإعادة رسم مسار القضية، لكنه في الوقت نفسه يفضح ضعف القضاء في حماية نفسه من سطوة السياسة. في هذا السياق، يبرز سؤال أكبر يتجاوز شخص البيطار: هل يمكن تحقيق عدالة محلية في بلد تحكمه منظومة الإفلات من العقاب، أم أن الحقيقة باتت رهناً بعدالة دولية تُخرج الملف من أيدي السياسيين وتضعه في عهدة محكمة لا تخضع لموازين القوى الداخلية؟


إنها لحظة دقيقة تختصر مأساة اللبنانيين، حيث يقف قاضٍ بمفرده في مواجهة نظام بأكمله، فيما العدالة معلّقة على خيط رفيع بين الصمود والانكسار.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة