"ليبانون ديبايت" - وليد خوري
على الرغم من أن الأنظار في سوريا تتركز منذ الشهر الماضي على محافظة السويداء حيث الأكثرية الدرزية، وبدرجة أقل على المناطق الشمالية الشرقية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، يبدو أن منطقة الساحل تشهد هي الأخرى حراكاً من نوع آخر بدأ مؤخراً يخرج إلى الضوء.
وفي الوقت الذي نجحت فيه السويداء عسكرياً، وبمساعدة الضربات الجوية الإسرائيلية، في إخراج نظام أحمد الشرع بشكل شبه كامل من أراضيها، ولا تزال “قسد” تفرض سيطرتها على حوالي نصف محافظة دير الزور وأحياء من حلب بالإضافة إلى الرقة والحسكة، بدأ العمل في الساحل ومناطق غرب حماة وحمص إنسانياً واجتماعياً وسياسياً على محاولة رفع القبضة الحديدية التي يفرضها نظام دمشق على هذه المناطق.
ويعتقد بعض المراقبين أنه، ورغم الماضي العسكري المتطرف للرئيس المؤقت أحمد الشرع، كان بإمكانه في الأسابيع الأولى من وصوله إلى دمشق كسب تأييد الشريحة العظمى من العلويين عبر خطوات بسيطة جداً. غير أن اتباع نظامه أولاً سياسة طرد الموظفين العلويين من وظائفهم، ثم المجازر التي لحقت بأهالي الساحل حيث دفع المدنيون الثمن الأكبر، جعلاهم يعيدون النظر في موقعهم في سوريا المستقبلية.
وقبل أسابيع قليلة، وتزامناً مع تخبط نظام دمشق في مشاكله سواء في الجنوب أو الشمال الشرقي أو في أماكن سيطرته الأخرى، ظهر إلى العلن كيان يطلق على نفسه اسم “غرب سوريا للتنمية”، يُعنى بتعزيز الاستقرار وإعادة الإعمار والحوكمة الشاملة في غرب سوريا وفي عموم البلاد، مع التركيز بشكل خاص على حماية المجتمعات الضعيفة وتعزيز التعاون بين الأعراق والأديان.
وبحسب ما نُشر، فإن هذه المؤسسة استعانت بخدمات شركة “تايجر هيل بارتنرز” الأميركية، الرائدة في العلاقات الحكومية والاستشارات الاستراتيجية ومقرها واشنطن، لنقل صورة ما يجري في غرب سوريا خصوصاً، ومع باقي الأقليات بشكل عام، إلى العاصمة الأميركية لاطلاع المسؤولين هناك على مجريات الأمور.
وتشير المعلومات إلى أن مشروع هذه المؤسسة التي تعمل بشكل أساسي في غرب سوريا، يتعارض مع مشروع الشخصيات التي كانت ضمن تركيبة النظام السوري القريبة من إيران وحزب الله، خصوصاً في الساحل وريفي حمص وحماة الغربيين. فسياسياً، تريد المؤسسة الاقتراب أكثر من واشنطن وحلفائها، وعدم رمي العلويين مجدداً في أتون الحرب والقتل، وتجنيبهم مواجهة عسكرية دامية، بعكس وجهة النظر المقابلة.
وفي الوقت نفسه يحاول “فلول” النظام ومن يدورون في فلك طهران، وفي إطار سعيهم إلى مواجهة عسكرية، تذكير العلويين بمصير الأفغان الذين كانوا قريبين من واشنطن وتخلت عنهم مع الانسحاب من كابول، في محاولة لثنيهم عن مد جسور تحالف جديد بعد أكثر من نصف قرن في إطار البعث وشعاراته. لكن الراغبين في التحالف مع واشنطن يعيدون التذكير بالمقابل بما جرى بالأمس القريب، عندما تخلّت إيران وحزب الله عن سكان تلك المناطق وانسحبوا دون قتال، تاركين العلويين يواجهون مصيرهم.
ويبدو أن مساعي المؤسسة لناحية النظام السياسي المستقبلي لسوريا تتناغم إلى حد كبير مع الموقف الذي نقلته صحيفة “واشنطن بوست” عن المبعوث الأميركي طوم باراك، حول ضرورة بدء السوريين بالتفكير في نظام بديل للنظام المركزي الصارم، أي السماح لكل مكوّن، وضمن جغرافيته، بإدارة شؤونه الإدارية والمحلية بنفسه على الأقل.
إذن، ومع اهتزاز مصداقية حكم الشرع في الساحل والمناطق القريبة منه، تبقى هذه المنطقة ميدان تنافس بين شريحة ترى أن القرب من واشنطن وحلفائها في المنطقة هو الخيار الأفضل لتحقيق رغبة السكان بالنضال السياسي، ومجموعة أخرى ترى أن الصدام العسكري هو الحل الأمثل، رغم الثمن الكبير الذي قد يُدفع.