السرعة والإهمال وغياب الرقابة
الدكتور دوميط كامل، العالم البيئي ورئيس "الحزب البيئي العالمي"، أوضح لـ"ليبانون ديبايت" أن "السرعة الجنونية هي السبب الأول في معظم الحوادث، خاصة مع السيارات الجديدة فائقة السرعة، ومع غياب الرقابة المرورية الفعّالة تتحوّل الطرقات إلى ساحات مفتوحة للحوادث".
وأشار إلى أن "تلهّي السائقين بالهواتف المحمولة أصبح كارثة إضافية توازي خطر الكحول والسرعة"، معتبرًا أن غياب دور وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية هو أحد أبرز العوامل التي تسمح باستمرار هذا النزيف اليومي.
هل للجاذبية الأرضية والحرارة دور؟
وسّع كامل النقاش ليضع فرضية أبعد من الأسباب التقليدية، مشيرًا إلى أن عوامل مرتبطة بالفيزياء والبيئة قد تساهم في رفع معدّل الحوادث، خصوصًا انقلاب الشاحنات:
تأثير الحرارة على أنظمة السيارات: مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، تدخل أجهزة السيارات والشاحنات، لا سيما نظام الفرامل، في حالة من "اللااستقرار". فالحرارة تؤدي إلى تمدّد المعادن وفقدان كفاءة التبريد، ما يزيد احتمالات تعطّل المكابح.
وزن الشاحنات الزائد: غالبًا ما تُحمّل الشاحنات بما يفوق قدرتها التصميمية، ما يضاعف الضغط على الإطارات والفرامل. ومع الحرارة المرتفعة، تصبح نسبة الانقلاب أعلى، خاصة في المنحدرات والمنعطفات.
العامل الفيزيائي – الجاذبية: الجاذبية، مقرونة بالحرارة والوزن الزائد، تجعل الشاحنات في وضعية هشّة، ويسهُل فقدان التوازن والانقلاب عند أي حركة غير محسوبة، وهو عامل نادراً ما يُأخذ في التحليلات التقليدية.
دعوة إلى خطة وطنية شاملة
شدّد كامل على أن الأرقام مرعبة، ففي بعض الأشهر تجاوز عدد القتلى على الطرقات اللبنانية الـ50 ضحية، من دون أي تحرك جدي من الدولة. وعليه دعا وزير الداخلية أحمد الحجار إلى "تدخل مباشر لوضع خطة حماية متكاملة، تشمل تشديد الرقابة وتطبيق القوانين، وتحسين صيانة الطرق، ومراقبة الشاحنات وأحمالها".
وأضاف كامل أنه مستعد لتقديم "استراتيجية متطورة للسلامة المرورية ترتكز على علم البيئة والفيزياء، إلى جانب الإجراءات الأمنية"، مؤكدًا أن "الوقت حان للخروج من مرحلة التبريرات والانتقال إلى العمل الجدي لحماية الناس".
حوادث السير في لبنان لم تعد نتيجة سلوك فردي فقط، بل نتاج مزيج معقّد من التهوّر البشري، الإهمال الرسمي، والعوامل البيئية والفيزيائية التي تتفاقم مع الحرارة الشديدة. وإذا كانت السرعة والكحول والهواتف أبرز أسباب الحوادث اليومية، فإن انقلاب الشاحنات يسلّط الضوء على إشكاليات أعمق تتعلق بالصيانة، التحميل الزائد، وربما تأثيرات الجاذبية والحرارة على المركبات الثقيلة.
في المحصّلة، لبنان أمام أزمة مرورية حقيقية تتطلب خطة طوارئ وطنية تعالج جذور المشكلة من بنيتها التحتية إلى قوانينها ووعي سائقها، بعيدًا عن تحميل المسؤولية فقط للسائق الفرد.