المحلية

ليبانون ديبايت
الخميس 28 آب 2025 - 07:04 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

حين تصبح البندقية آية… لماذا لن يُسلِّم حزب الله سلاحه؟

حين تصبح البندقية آية… لماذا لن يُسلِّم حزب الله سلاحه؟

"ليبانون ديبايت" - وليد خوري


منذ انتخاب الرئيس جوزيف عون وتشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، عاد النقاش إلى الواجهة حول مسألة حصر السلاح، وتحديدًا سلاح حزب الله. الضغوط العربية والدولية تتزايد، والبيانات الرسمية تضع نزع السلاح في صدارة شروط أي تسوية. لكن ما يغيب عن هذه الطروحات أنّ سلاح الحزب ليس مجرّد ملف أمني أو عسكري أو سياسي، بل هو قضية دينية–فقهية–عقائدية ممتدة في صلب تكوين الحزب وأدبياته، وبالتالي فإن الحديث عن التخلي عنه يتجاوز القرار المحلي أو الإملاء الخارجي.


الفقه الإمامي، وهو المدرسة الفقهية الخاصة بالشيعة الاثني عشرية التي يستند إليها حزب الله، يميّز بوضوح بين نوعين من الجهاد. الجهاد الهجومي أو الابتدائي لا يُشرع إلا بوجود الإمام المعصوم، أي المهدي المنتظر، وبالتالي فهو معلَّق زمن الغيبة. أما الجهاد الدفاعي فهو القتال لردّ عدوان أو مواجهة احتلال أو حماية المستضعفين، وهذا النوع واجب في كل العصور حتى في زمن الغيبة. ومن هنا يستند حزب الله في مشروعية سلاحه إلى قاعدة الجهاد الدفاعي لا الهجومي.


القرآن نفسه يضع الأساس لهذه القاعدة: {أُذِنَ للذين يقاتَلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج: 39)، و{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} (النساء: 75). هذه النصوص هي ما يستند إليه فقهاء الشيعة لتأكيد أن حمل السلاح في مواجهة الاحتلال واجب ديني لا يسقط بزوال ظرف سياسي أو إقليمي. الإمام الخميني صاغ هذا بوضوح في كتابه “الحكومة الإسلامية” حين اعتبر أن الولي الفقيه يتولى صلاحيات الإمام في حفظ الدين والمجتمع زمن الغيبة، بما في ذلك تنظيم الدفاع.


الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله عبّر أكثر من مرة عن هذا المبدأ قائلاً: “ولاية الفقيه هي التي تحدد لنا تكليفنا الشرعي في قضايا الحرب والسلم”، ومؤكداً أن الحزب يعتبر قرار السلاح خاضعاً مباشرةً لتوجيهات الولي الفقيه في طهران، أي الإمام علي خامنئي. وفي خطاب آخر له حول فلسطين والقدس، قال نصر الله: “نحن نؤمن أن القدس ليست قضية شعب أو دولة، بل هي قضية الأمة كلها، وهي جزء من عقيدتنا وإيماننا بظهور الإمام المهدي، ومن واجبنا الشرعي أن نقاتل من أجلها ونضحي في سبيل تحريرها”. هذا الربط المباشر بين القدس والعقيدة المهدوية يفسّر لماذا يُنظر إلى السلاح في الحزب على أنه واجب ديني غير قابل للتسوية.


الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، شرح بوضوح في كتابه حزب الله: المنهج والتجربة والمستقبل أنّ “المقاومة ليست خيارًا سياسيًا نتبناه متى شئنا ونتركه متى نشاء، بل هي تكليف إلهي نلتزم به ما دام الاحتلال قائمًا والتهديد حاضرًا”. ويضيف: “السلاح ليس ملكًا لحزب الله كي يتصرّف فيه كما يشاء، بل هو أمانة شرعية مرتبطة بواجب الجهاد الدفاعي، ولا يمكن التخلّي عنه إلا بزوال أسبابه الشرعية”. كما يؤكد قاسم أنّ “الالتزام بولاية الفقيه هو الذي يوفّر الغطاء الشرعي للمقاومة، ويمنحها صفة الاستمرارية بعيدًا عن الحسابات الداخلية أو الخارجية”.


وفي موضع آخر يكتب قاسم: “من الخطأ مقاربة المقاومة كظاهرة عسكرية أو سياسية فقط، فهي قبل كل شيء خيار عقائدي ديني. ومن يطلب من حزب الله أن يتخلى عن سلاحه كمن يطلب منه أن يتخلى عن إيمانه”. هذه العبارة تختصر بدقة ما يجعل أي ضغوط دولية أو عربية عاجزة عن تغيير الموقف الجوهري للحزب من السلاح.


الإيمان بالمهدي في العقيدة الإمامية لا يعني الجلوس بانتظار الظهور، بل ممارسة “الانتظار البنّاء” عبر مقاومة الظلم والتمهيد لعصر العدل الإلهي. السيد علي خامنئي يكرّر في خطاباته أنّ “الانتظار ليس جمودًا بل عمل وجهاد لإقامة العدل”، وأن “تحرير فلسطين والقدس هو واجب شرعي وإنساني على الأمة الإسلامية”. هنا يصبح السلاح، في نظر أنصار ولاية الفقيه، جزءًا من تكليف إلهي لا مجرد خيار سياسي.


هذا المبدأ لم يخفِه حزب الله منذ تأسيسه. ففي “الرسالة المفتوحة إلى المستضعفين” عام 1985 جاء النص بوضوح: “إنّ واجبنا الشرعي أن نقاتل إسرائيل، وأن لا نقبل أن تبقى فلسطين تحت الاحتلال، وإن هدفنا النهائي أن يكون الإسلام هو الحاكم وأن تُحرَّر القدس حتى آخر شبر من أرضها”. أما في “الوثيقة السياسية” عام 2009 فقد أعاد الحزب صياغة دوره بلغة وطنية، لكنه ثبّت المبدأ نفسه حين اعتبر أن المقاومة المسلحة حق مشروع وضرورة دفاعية ما دام الاحتلال والتهديد قائمَين. النص واضح في التأكيد أن “المقاومة وسلاحها جزء من مشروع الدفاع الوطني”، وأن وظيفته تنتهي فقط بزوال أسباب وجوده.


من هنا يصبح واضحًا أنّ أي قرار حكومي بحصر السلاح سيصطدم بجدار ديني–فقهي–عقائدي في نظر الحزب. فالسلاح ليس مجرد أداة عسكرية، بل رمز شرعي يندرج ضمن ولاية الفقيه، وتكليف ديني مستند إلى القرآن والسنّة وأقوال الأئمة، ومؤطَّر بأدبيات الحزب التأسيسية. لا حكومة لبنانية ولا ضغط عربي أو دولي يستطيع أن يُسقط هذه الشرعية من وجهة نظر الحزب، ما لم يزُل الاحتلال وتنتفِ التهديدات.


وأي مقاربة دولية أو عربية تُصرّ على التعامل مع هذا السلاح كملف سياسي أو أمني بحت، إنما ترتكب خطأً قاتلاً في التشخيص، أشبه بمحاولة إلغاء آية قرآنية أو حكم فقهي بقرار صادر عن مجلس الأمن. هذه أوهام لن تنتج سوى صدامٍ مباشر مع واقع لا يتبدّل، لأن حزب الله لا يرى نفسه معنيًا بتسويات على حساب عقيدته، ولأن سلاحه ليس بندًا على طاولة التفاوض بل ركنٌ من أركان وجوده وهويته.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة