رغم مشاركة الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هيرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير التعليم يوآف كيش، في احتفالات افتتاح العام الدراسي الجديد في مدارس الشمال المحاذية للحدود مع لبنان، يوم الاثنين، في محاولة لإظهار عودة الحياة إلى طبيعتها، تكشف الأرقام الرسمية ومعطيات البلديات أن جزءاً كبيراً من السكان يرفض العودة إلى منازلهم.
فالاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، الذي وُقّع في تشرين الثاني 2024، منح الأهالي الذين نزحوا في تشرين الأول 2023 مهلة حتى آذار الماضي للعودة. إلا أنّ عشرات الآلاف رفضوا ذلك، بعضهم يعتبر أنّ الحرب مع لبنان لم تنته بعد وأن "حزب الله" لا يزال يشكل تهديداً مباشراً، فيما آخرون غير راضين عن بطء عمليات إعادة الإعمار وضعف التعويضات، بينما قرر قسم ثالث الاستقرار في وسط البلاد بعدما وجد فرص عمل جديدة هناك.
وبحسب معطيات "مديرية إعادة إعمار بلدات الشمال"، فقد غادر نحو 90 ألف شخص من سكان 43 بلدة حدودية منازلهم هرباً من الصواريخ وتبعاتها. وقد عاد أكثر من 85% من السكان في 37% من هذه البلدات، لكن في 51% من القرى عاد نصف السكان فقط، بينما بقيت 11% من البلدات شبه فارغة، مثل المطلة والمنارة وشتولا حيث لم تتجاوز نسب العودة 14–20%. وتشير الخريطة الميدانية إلى أنّ كلما اقتربت البلدة من الحدود اللبنانية، تراجعت نسب العودة بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بها.
في هذا السياق، اتّسم افتتاح العام الدراسي في هذه المناطق بالبرودة والفراغ. وزارة التعليم أكدت أنّ 90% من التلاميذ و97% من المعلمين عادوا إلى مدارسهم، لكن الوقائع عكست صورة مختلفة: المدرسة الوحيدة في المطلة لم تفتح أبوابها، كما أغلقت مدرسة في صفد وأخرى في كريات شمونة التي سجلت حضور 40 تلميذاً فقط من أصل 240. كذلك أُقفلت 32 حضانة أطفال بسبب نقص الكادر أو غياب العائلات. الأهالي اشتكوا أيضاً من تراجع عدد حراس الأمن في المدارس، في ظل استمرار المخاوف الأمنية شمالاً.
أما في الجنوب، وتحديداً في "غلاف غزة"، فقد بقيت المعاناة على حالها. لم يزر أي مسؤول إسرائيلي المدارس هناك، بل حضر السفير الأميركي مايك هاكبي لافتتاح العام الدراسي. وجاءت زيارته على وقع أصوات الانفجارات الناتجة عن العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في القطاع. الأهالي استغلوا وجوده لمطالبته بالضغط على نتنياهو من أجل صفقة تبادل أسرى، متهمين الحكومة بالتقاعس عن إعمار بيوتهم المدمرة.
واعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ امتناع عشرات الآلاف من النازحين عن العودة يعكس "أزمة ثقة عميقة" بين السكان والقيادتين السياسية والعسكرية.
فالحكومة لم تتمكن من استعادة الشعور بالأمن والأمان، كما لم تفِ بوعودها حول سرعة التعويضات وإعادة الإعمار.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ كثيراً من البيوت ما زالت على حالها مدمرة، وقد تحولت إلى "مكرهة صحية" تمنع حتى من بقي من السكان من العودة أو إعادة الاستقرار إليها. ويأتي ذلك وسط مخاوف من أنّ أي تصعيد جديد مع "حزب الله" قد يعيد الشمال إلى المربع الأول من النزوح والفراغ السكاني.