ويرى الخبير والكاتب الاقتصادي أنطوان فرح، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن العنوان الأساسي في مشروع موازنة 2026 هو "صفر عجز"، والحقيقة أن هذا أهم عنوان في الموازنة لأنه:
أولاً، لأنه مطلب من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
وثانيًا، لأننا لم نعد قادرين على تحمّل العجز، بعدما اكتشفنا جميعاً أن أصل أزمة الانهيار التي أصابت لبنان كان العجز المتراكم خلال السنوات الماضية على الموازنة، أي قبل عام 2019.
ويوضح أنه في تلك الفترة، كانت الدولة تغطي هذا العجز بالاقتراض، ثم تحوّل الاقتراض ليصبح على حساب المودعين، بعدما توقّف السوق الداخلي والخارجي عن تأمين القروض للدولة. عندها، لجأت الدولة مباشرة إلى مصرف لبنان، الذي كان يمولها من أموال المودعين، ما شكّل السبب الأساسي للأزمة. لذلك، فإن اعتماد "صفر عجز" عنوانٌ مهم جدًا، ويُعتبر بحد ذاته أحد أشكال الإصلاح المطلوبة.
أما على الصعيد الآخر، فاللافت، وفق فرح، في مشروع الموازنة أيضاً أن حجمها ارتفع بنسبة تقارب 12% عن أرقام موازنة العام الماضي، وهذا مؤشر إيجابي، لأنه يعكس تحسنًا في إيرادات الدولة. وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها من وزير المالية الأستاذ ياسين جابر، فقد تكون الإيرادات في 2026 أعلى من التقديرات الواردة في الموازنة. هذا أمر إيجابي، إذ إنّ ضبط التهرب والتهريب يسير بشكل تصاعدي، ومع وصول أجهزة “السكانر” إلى المرفأ، واعتماد النظام المعلوماتي وتحديث الأنظمة الرقابية، قد ترتفع الإيرادات أكثر مما هو مقدّر، ما يتيح إمكانية تسجيل فائض في نهاية السنة بدلاً من مجرد "صفر عجز". وهذا الفائض يمكن أن يُستخدم في مشاريع بنى تحتية وإنمائية.
لكن، في المقابل، يشير إلى نقطة الضعف الأساسية في الموازنة، وهي أن حجم الإنفاق على الرواتب يبلغ نحو 50% من حجمها، وهذه نسبة مرتفعة جداً بمقاييس ومعايير عالمية لا يجوز أن تستمر. ورغم هذه النسبة الكبيرة، تبقى رواتب موظفي القطاع العام متدنية، وقدرتهم الشرائية ضعيفة لا تكفي لتأمين معيشتهم. وبالتالي، نحن أمام مشكلة مزدوجة:
من جهة، الإنفاق على الرواتب مرتفع جداً مقارنة بحجم الموازنة.
ومن جهة ثانية، مستوى الرواتب نفسه ما زال متدنيًا لا يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم.
ويتصور أنه في حال أردنا رفع الرواتب لتأمين العيش الكريم، فإنّ حجم الإنفاق على الرواتب سيرتفع أكثر، وقد يتجاوز 70 أو حتى 80% من الموازنة. وهذه نقطة ضعف كبيرة، ومشكلة لا يمكن معالجتها إلا مع مرور الوقت، وبمعنى أدقّ عندما ننجح في تكبير حجم الاقتصاد في المستقبل. لأنه بدون ذلك، لا يكفي تحسين الإيرادات ووقف التهريب إذا لم نتمكن من تكبير حجم الاقتصاد، لأنه هو الذي يرفع الإيرادات بشكل مستدام، ويتيح تحسين مستوى الرواتب، على أن تنخفض نسبة الإنفاق على الرواتب تدريجياً إلى حدود 25 أو 30%. وهذا يتطلّب خطة خمسية على الأقل، وليس إجراءً فوريًا.
أما بالنسبة للجانب الإصلاحي في الموازنة، فيوضح فرح، أنه لم يطّلع بعد على كامل بنودها لمعرفة مدى المنحى الإصلاحي فيها. ويقول: "ليست الموازنة وحدها التي تحدد الإصلاح، بل السياسة الاقتصادية الشاملة التي يجب أن تضعها الحكومة لخمس سنوات، على أن تتضمن إصلاحات فعلية، فتأتي الموازنة بأرقامها ونهجها لتواكب هذه الخطة. لذلك علينا انتظار خطة الفجوة المالية وخطة الإنقاذ كي نقول فعلاً إننا دخلنا مسارًا إصلاحيًا، وتكون أرقام الموازنة في تلك الحالة منسجمة مع هذا المسار."