المحلية

ليبانون ديبايت
الاثنين 08 أيلول 2025 - 07:19 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

“الغداء” الذي يخفي أسراراً

“الغداء” الذي يخفي أسراراً

"ليبانون ديبايت" - محمد المدني

لم يكن الغداء الذي أقامه النائب فيصل كرامي في بقاعصفرين على شرف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان حدثاً عادياً أو مجرد مناسبة اجتماعية. فالمشهد الذي جمع وجوهاً سياسية ودينية وقضائية سنّية بارزة، عكس في عمقه إعادة رسم لمعادلات الطائفة السنّية في مرحلة دقيقة، تحت سقف دار الفتوى وبرعاية واضحة من المملكة العربية السعودية.

ومن خلال هذه الخطوة، حاول كرامي أن يوجّه رسائل سياسية متعدّدة، واضعاً نفسه في موقع المرشح لملء الفراغ الذي تركته الحريرية السياسية، ومقدّماً نفسه خياراً بديلاً جاهزاً للداخل والخارج.


كرامي لم يعد جزءاً عضوياً من تحالفه السابق مع الثنائي الشيعي. فالتحولات الإقليمية وسقوط النظام السوري دفعاه إلى التموضع الجديد، لكنه لم يقطع الخيط مع الرئيس نبيه بري، بل أبقى شعرة معاوية معه، مدركاً أنّ بري لا يزال ركناً أساسياً في المعادلة الداخلية. فهذه العلاقة تمنحه هامشاً من التوازن بين الداخل والخارج، وتتيح له التمايز عن حزب الله من دون خسارة الغطاء الشيعي.


الرسالة الأبرز كانت موجّهة إلى السعودية، لأنّ الدعوة المحصورة بالقيادات السنّية والمرجعيات الدينية في توقيت حسّاس تعني أنّ كرامي يقول للرياض إنه حاضر للمرحلة المقبلة، وأنه قادر على لعب دور جامع بعد أفول الحريرية السياسية، وبالتوازي مع حكومة نواف سلام وما بعدها. أراد أن يضع نفسه في موقع البديل أو الوريث المحتمل، مستفيداً من ضعف الزعامة السنّية التقليدية.


ما طرحه كرامي في المناسبة يكاد يطابق الخطوط العريضة لخطاب القسم للرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري لحكومة سلام، وهي عناوين يتقدّمها حصرية السلاح بيد الدولة، دعم الجيش، وتثبيت لبنان في الحضن العربي. فبدا وكأنه يعلن التزامه الصريح بهذه الثوابت، ليثبت للسعودية وللداخل اللبناني أنه على الخط نفسه مع الدولة.


دعوة كرامي للفعاليات والمشايخ والقضاة والنواب والبلديات لم تكن عفوية. كان الهدف تكريس موقعه كمرجعية سنّية صاعدة في الشمال، وإظهار أنّ دار الفتوى إلى جانبه، وبناء صورة الرجل القادر على إدارة شبكة مصالح وخدمات تُعزّز موقعه الانتخابي والسياسي. وفي الوقت نفسه، تقديم نفسه خياراً واقعياً أمام السعودية وأميركا في حال اهتز موقع نواف سلام.


غير أنّ هذا المشهد لم يخلُ من انتقادات لاذعة. فالكثيرون يرون أنّ فيصل كرامي يحاول القفز من ضفّة إلى أخرى وفق تغيّر الموازين، وأنه ينتقل من حضن النظام السوري والثنائي الشيعي إلى محاولة استرضاء السعودية، من دون أن يقدّم مراجعة حقيقية لماضيه أو يطرح رؤية صلبة للمستقبل.


إضافةً إلى ذلك، يعتبر خصوم كرامي أنّه يسعى فقط لتلميع صورته وإعادة تدوير نفسه كزعيم سنّي “على الطلب”، مستفيداً من فراغ الساحة السنّية، لكن من دون أن يملك قاعدة صلبة أو رصيداً سياسياً يمكّنه من لعب الدور الذي يطمح إليه. بل إنّ البعض يرى أنّ محاولته الظهور كبديل عن الحريرية ليست سوى وهم سياسي، لأنّ الإرث الذي يحاول وراثته أكبر بكثير من حجمه ودوره الفعلي.


الخلاصة أنّ كرامي خرج من عباءة الثنائي لكنه حافظ على خيط التواصل مع بري. أراد من هذا الغداء أن يعلن استعداده ليكون ركناً أساسياً في المعادلة المقبلة، جامعاً بين الداخل والخارج، ومقدّماً نفسه للسعودية كزعيم سنّي جاهز لمرحلة ما بعد نواف سلام. لكن خصومه يجزمون أنّ ما يقوم به ليس أكثر من محاولة مكشوفة لإعادة التموضع، سرعان ما ستصطدم بالحقائق والوقائع.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة