"ليبانون ديبايت" - محمد المدني
لم يعد البقاع الأوسط مجرد منطقة عادية في المشهد اللبناني، بل تحوّل إلى ساحة أساسية للصراع السياسي عشية انتخابات 2026. فهنا تتقاطع مشاريع القوى الكبرى، وتحديداً القوات اللبنانية التي تسعى إلى تعزيز حضورها التنظيمي والشعبي، فيما يعمل حزب الله على ترسيخ هيمنته عبر شبكة تحالفات وخدمات ومؤسسات متجذّرة في المجتمع. وبين الطرفين، يبرز الصوت السني كبيضة القبان القادرة على قلب الموازين، ما يجعله مطمعاً أساسياً للجميع.
في هذا السياق المشحون، حمل حضور السيدة بهية الحريري إلى تعلبايا للمشاركة في حفل تخرّج بعداً يتجاوز المناسبة التربوية. فالرسالة سياسية بامتياز، وهي أن بيت الحريري يرفض أن يبقى خارج اللعبة، ويؤكد أن الحريرية السياسية ما زالت موجودة وقادرة على العودة، ولو عبر خطوات رمزية.
لكن التوقيت لم يكن بريئاً. فالمعركة المقبلة في البقاع الأوسط تُعَدّ من أشرس المواجهات المرتقبة عام 2026، والقوى تتحرك باكراً لتثبيت مواقعها. من هنا، تطرح الزيارة أسئلة مشروعة لدى أبناء المنطقة: لماذا الآن؟ ولماذا بعد غياب طويل؟ هل هو تعبير عن اهتمام بالبقاع وأهله، أم محاولة لكسب الصوت السني؟ وهل تكفي زيارة واحدة لإعادة الثقة التي اهتزّت مع سنوات التهميش والحرمان؟
القوات اللبنانية، ورغم فوزها الكبير في الانتخابات البلدية بمنطقة زحلة، تجد نفسها اليوم بحاجة ماسة إلى حليف سني قوي يضمن لها تثبيت مكاسبها في الانتخابات النيابية المقبلة. غير أن صورة تحالفاتها السنية ما زالت ضبابية، خصوصاً مع ما يُحكى في الكواليس عن نية للتقاطع مع شخصيات محسوبة على تيار المستقبل. لكن هذا الاحتمال يثير علامات استفهام، فهل يمكن للقوات أن تذهب إلى مثل هذا التحالف بعد العلاقة السيئة التي طبعت مسارها مع المستقبل في السنوات الماضية؟ وهل ينسجم ذلك مع خطها السياسي الحالي؟
أما التيار الوطني الحر، فأقصى طموحاته في البقاع الأوسط يبدو محصوراً بالحفاظ على المقعد النيابي الذي يشغله النائب سليم عون. فالتيار اليوم بلا حليف انتخابي واضح، بعدما فقد الرافعة الأساسية التي كان يؤمنها التحالف مع حزب الله والشيعة في المنطقة. هذا الواقع يفرض على التيار أن يكرّس كل جهوده الانتخابية لضمان الحاصل الذي يضمن بقاء مقعده، وسط صورة ضبابية لتحالفاته المقبلة.
بدوره، يواجه النائب ميشال الضاهر تحدياً من نوع آخر. فالرجل الذي طالما اعتُبر ممثلاً للصوت السني ورافعة له، يجد نفسه اليوم أمام تبدّل ملحوظ في المزاج السني. كثيرون باتوا يعتبرون أنه لا يجسّد خياراً نيابياً يعكس حرمان المنطقة وحاجتها إلى الإنماء، بقدر ما يمثل شخصية سياسية تدير شبكة مصالحها الخاصة وأعمالها الاقتصادية. وإلى جانب هذا التحدي، يفتقر الضاهر إلى حليف مسيحي وازن وحليف سني ثابت، ما يجعله أمام خطر حقيقي يهدد مستقبله النيابي.
المعادلة اليوم باتت واضحة، فالبقاع الأوسط صار محوراً رئيسياً في إعادة رسم موازين القوى الوطنية. وحضور بهية الحريري فيه يضعها أمام امتحان صعب: إمّا أن تقدّم الحريرية مشروعاً جديداً للبقاع يوازي طموحات الناس وتحدياتهم، أو تكتفي برسائل رمزية تُستهلك في اللحظة الانتخابية.
فالناس لم يعودوا يرضون بالشعارات أو الحضور الموسمي. فأبناء المنطقة يطالبون ببرامج واضحة تعالج أزماتهم الاجتماعية والاقتصادية وتعيدهم إلى خريطة الدولة. وإذا بقيت الخطوات الحريرية محصورة في المناسبات البروتوكولية، فلن يكون لها أي أثر حقيقي في المعركة الانتخابية. أمّا إذا قرر بيت الحريري الاستثمار جدياً في البقاع عبر شبكة حضور دائمة ومبادرات ملموسة، فقد يشكّل ذلك مدخلاً لإعادة بناء الثقة وفتح صفحة جديدة تعيد للحريرية مكانتها المفقودة في قلب الساحة السنية.