"ليبانون ديبايت"
تشهد الدولة اللبنانية في الآونة الأخيرة موجةً من التعيينات تُدار وفق قاعدة المحاصصة السياسية والطائفية، في وقت يُفترض أن تكون الكفاءة هي المعيار الوحيد لشغل الوظيفة العامة.
هذا المشهد يطرح سؤالاً خطيراً، هل هناك إرادة مبرمجة لتصفية مجلس الخدمة المدنية، المؤسسة الدستورية التي شكّلت لعقود طويلة صمّام الأمان في وجه التوظيف العشوائي والزبائنية؟
فالمجلس لم يكن يوماً جهازاً إدارياً عادياً، بل هو المرجعية التي ضمنت نزاهة المباريات وشفافية التوظيف، وفتحت الباب أمام أصحاب الكفاءة بعيداً عن الولاءات والوساطات. غير أنّ ما نراه اليوم يوحي بمحاولة منظمة لإضعافه، فالتعيينات تجري خارجه والاعتمادات تُحجب عنه، فيما تُنشأ أو تُفعّل هيئات ناظمة تُغدق عليها الرواتب والمخصّصات لتتحول إلى غطاء لتوزيع المناصب والامتيازات. وهكذا يُفرَّغ المجلس من مضمونه، لصالح بدائل سياسية ومالية لا علاقة لها بالإصلاح الحقيقي.
وتزداد الشكوك مع ما أعلنه وزير التنمية الإدارية عن خطة "إعادة تكوين إدارات الدولة 2030"، فالعناوين برّاقة تتحدث عن تحديث، رقمنة وعقد اجتماعي جديد. لكن الغياب التام لمجلس الخدمة المدنية عن هذه الخطة يثير الريبة، فكيف يمكن بناء إدارة حديثة من دون إشراك المرجعية الدستورية المعنية بشؤون الموظفين؟ أليس ذلك التفافاً مقصوداً على المجلس وتعطيلاً لدوره الطبيعي؟
إنّ ما يجري لا يقتصر على تهميش مؤسسة إدارية، بل يطال جوهر فكرة الدولة نفسها. فالمجلس هو الحارس الأخير لمبدأ العدالة في الوظيفة العامة، وهو الرادع الوحيد أمام منطق المحسوبيات والولاءات. وبالتالي، فإن إضعافه أو تصفيته يعني عملياً ضرب أسس الدولة الحديثة وتحويل الإدارة إلى مزرعة تُدار بالسياسة لا بالقانون.