أكد نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، الدكتور طارق متري، في حديث خاص مع "تلفزيون سوريا"، أن العلاقات اللبنانية – السورية دخلت مرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة، موضحاً أن الطرفين يسعيان إلى إرساء أسس قائمة على الثقة والتعاون بعيداً عن إرث الوصاية. وأشار إلى أن خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع تجاه لبنان أراح اللبنانيين وفتح نافذة جديدة للتلاقي.
متري، الذي يشرف على ملف العلاقات مع سوريا في الحكومة اللبنانية ويتابع الزيارات المتبادلة بين وفود البلدين، أوضح أن اللقاءات الأخيرة لم تكن مجرّد مجاملات بروتوكولية، بل جسّدت رغبة واضحة في البحث الجاد بملفات معقدة، بدءاً من قضية الحدود والنازحين وصولاً إلى الاتفاقيات القديمة الموروثة من مرحلة الوصاية.
توقف متري عند خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع الأخير، معتبراً أن الفقرة التي خصصها للبنان شكّلت نقطة تحول في المزاج اللبناني. وقال إن ما ورد لم يكن مجرد إشادة عابرة، بل تضمّن إشارات إيجابية فهمها اللبنانيون باعتبارها رسالة استعداد للتعامل مع لبنان بندّية واحترام متبادل. وأضاف أن الخطاب شجّع على إزالة التحفظات القديمة، خصوصاً لدى بعض اللبنانيين الذين كانوا يخشون من عودة الهيمنة السورية.
وحول طبيعة اللقاءات المتبادلة، أوضح متري أن الهدف لم يكن بناء ثقة جديدة، بل تعزيز الثقة القائمة. وقال: "قلت للوفد السوري: بيننا وبينكم ما يكفي من الثقة، والمطلوب أن نزيدها عمقاً عبر خطوات عملية". وأكد أن الأجواء التي رافقت المحادثات في بيروت ودمشق تميزت بمرونة وروح إيجابية وإصرار على معالجة القضايا الخلافية، لافتاً إلى أن الطابع الودي للقاءات أضفى صراحة وسهولة في طرح الملفات المعقدة.
أما بشأن الانتقادات التي ظهرت في الداخل اللبناني حول جدية دمشق أو مستوى وفودها، فقد رد متري قائلاً إن هذه الشكوك لا تستند إلى وقائع بل إلى أجواء مشحونة بالإشاعات. وأكد أن الوفد السوري كان مطلعاً وضم شخصيات أساسية، وأظهر حرصاً حقيقياً على الانفتاح.
أوضح متري أن مسألة عودة اللاجئين السوريين طُرحت بوضوح، وأن الجانب السوري أبدى ترحيباً كاملاً. وقال: "هل يُعقل أن تنزعج الدولة السورية من عودة أبنائها؟ بالطبع لا". وأكد أن الأعداد تتزايد يومياً، وأن الجهود تتركز على تسهيل العودة بعيداً عن النقاشات السياسية، من خلال تعاون لبناني – سوري مدعوم من جهات دولية.
وكشف متري عن تقدم كبير في ملف الحدود، مشيراً إلى لقاءات دورية بين وزارتي الدفاع في البلدين برعاية سعودية، إضافة إلى اجتماعات أسبوعية للجنة عسكرية – أمنية مشتركة. وأوضح أن الجزء الأكبر من الحدود بات مضبوطاً، وأن التركيز منصب حالياً على مكافحة تهريب المخدرات، فيما تُضخّم بعض الروايات حول تسلل مسلحين.
أشار متري إلى نقاش جدي حول وضع اتفاقية تعاون قضائي بين لبنان وسوريا لمعالجة ملف الموقوفين، خصوصاً السوريين الموقوفين لأسباب سياسية. ونفى أن تكون دمشق قد طلبت الإفراج عن لبنانيين أو عرب. كما كشف أن بين البلدين نحو 34 اتفاقية وُقّعت خلال فترة الوصاية، تحتاج إلى مراجعة مستقبلية، لكن الأولوية الآن هي الملفات العاجلة كالأمن المشترك ومكافحة التهريب.
وختم متري بالتأكيد أن العلاقات اللبنانية – السورية تسلك اليوم مساراً يقوم على الثقة المتبادلة والرغبة في التقدم، رغم العقبات. وقال: "نحن أمام فرصة لإعادة صياغة العلاقات على أسس أكثر وضوحاً وتوازناً، بعيداً عن إرث الماضي، وباتجاه أفق جديد عنوانه الحوار والتعاون".