المحلية

الأربعاء 17 أيلول 2025 - 07:11

نواب خائفون من الناس

نواب خائفون من الناس

"ليبانون ديبايت"- محمد المدني


في الحياة السياسية اللبنانية، يتكرّر المشهد نفسه عند كل استحقاق انتخابي، فيظهر نواب يرفعون شعار “حماية المجلس النيابي” و”صون الديمقراطية”، فيما الدافع الحقيقي خلف مواقفهم هو الخوف من خسارة مقاعدهم النيابية. فهؤلاء النواب يعرفون جيداً أنّ العودة عبر صناديق الاقتراع ليست مضمونة، وأنّ حكم الناس قد يطيح بما اعتادوا اعتباره حقاً مكتسباً.


في العلن، إن خطاب غالبية النواب مليء بالحديث عن احترام إرادة الناخبين، لكن في الكواليس تدور الحسابات حول كيفية التمسك بالكرسي النيابي بأي ثمن، حتى لو كان ذلك عبر تعطيل الاستحقاقات أو التلاعب بالمهل الدستورية. وهنا يتكشف التناقض الصارخ بين الشعارات الرنانة والممارسات الفعلية، أي بين الديمقراطية التي يتغنّون بها والديمقراطية التي يخشونها.


فحين تصبح الديمقراطية مشروطة بعبارة “نقبل بها ما دامت تبقينا في المجلس”، تفقد قيمتها كآلية تداول للسلطة، وتتحوّل إلى غطاء للاستهلاك الإعلامي لا أكثر. والنائب الذي يرى في الديمقراطية تهديداً لوجوده السياسي، إنما يعترف ضمناً بأنه فقد صلته بالناس، ولم يعد قادراً على تمثيلهم إلا من خلال صفقات وتسويات داخلية، لا عبر تفويض شعبي حر.


الأزمة إذاً ليست في الدستور ولا في القوانين، بل في العقلية السياسية السائدة، وهي عقلية الخوف من الناس بدل الاحتكام إليهم. والحقيقة البسيطة تبقى أنّ الديمقراطية لا تُصان بالتأجيل والتعطيل، بل بالاحتكام الدائم إلى الشعب، الذي هو المرجعية الوحيدة في أي نظام ديمقراطي. ومن لا يجرؤ على مواجهة الشعب في صناديق الاقتراع، فالأجدر به أن يتوقف عن المتاجرة بشعارات لا يؤمن بها.


والحقيقة الواضحة هي أنّ المجلس النيابي مقسوم إلى قسمين: قسم من النواب المستقلين الذين دخلوا إلى البرلمان على أمل التغيير، لكنهم فشلوا في ملفات أساسية واستحقاقات مصيرية، ولم يتمكّنوا من فرض خطاب مقنع نتيجة عدائهم المتبادل وتشرذمهم السياسي، ما جعلهم يبدون ضعفاء في مواجهة الناس وخائفين من تكرار التجربة الانتخابية.


أما القسم الآخر، فهم النواب الحزبيون، الذين يعيشون قلقاً من نوع آخر نتيجة خشيتهم من أن تستبدلهم قيادات أحزابهم بشخصيات جديدة، باعتبار أنّ الأحزاب ترى نفسها صاحبة الأصوات الفعلية لا المرشحين.


هذا الخوف المزدوج، عند المستقلين كما عند الحزبيين، يكشف حقيقة أنّ المجلس الحالي يُعتبر من أضعف المجالس النيابية في تاريخ لبنان الحديث. فهو مجلس عجز عن تحقيق أي إنجاز يُذكر، ولم يتمكّن من انتخاب رئيس للجمهورية إلا بعد مرور ثلاث سنوات على ولايته، ناهيك عن فشله في إقرار القوانين الإصلاحية الضرورية، وعن الانقسامات الحادة بين أعضائه، والخلافات التي أفضت إلى دفن قوانين وإحياء أخرى وفقاً للتركيبات والمصالح.


من هنا، يصبح الاستحقاق الانتخابي المقبل مصدر قلق لجميع النواب، سواء أعلنوا ذلك أم أخفوه. فالجميع يبحث عن المزيد من الوقت لتبرير وجوده أمام الرأي العام اللبناني، والجميع يملك مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في تأجيل الانتخابات، بانتظار معجزة قد تمكّنهم من تحسين صورتهم المهترئة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة