في هذا السياق، يوضح وزير الطاقة السابق وليد فياض، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، تفاصيل الخطة التي كانت تُعتمد خلال تولّيه الوزارة، كاشفًا عن الأسباب التي أدّت إلى تأخُّرِ إتمامها بنجاح، وراسمًا تساؤلات حول السياسة الحالية، لا سيما فيما يتعلق بوقف العمل بالاتفاق مع العراق واستبداله بالهبات.
ويشرح فياض أن الفكرة الأساس كانت لدى وزارة الطاقة زيادة التغذية الكهربائية من مؤسسة كهرباء لبنان بشكل مستدام، بكلفة تقارب الـ25 سنتًا للكيلوواط ساعة، بحيث توفّر على المستهلك فاتورة الاشتراك لأنها أرخص بنصف السعر عنها، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع فاتورة كهرباء الدولة على المواطن مقابل انخفاض فاتورة الاشتراك بشكل يسمح بتخفيض الفاتورة الإجمالية.
ويوضح الأسباب التي منعت نجاح هذه الخطوة في الظرف الراهن، فحين كان وزيرًا للطاقة كانت الأمور تتجه إلى نجاح هذه الخطوة مع وصول عدد ساعات التغذية إلى 10 ساعات يوميًا، ولكن فيما بعد ومع انخفاض عدد الساعات، بدأت فاتورة الاشتراك ترتفع، وتزامن هذا الارتفاع مع ارتفاع الفواتير السابقة التي حصل فيها المواطنون على ساعات تغذية أعلى من المرحلة الراهنة، فشعر المواطنون بارتفاع التكلفة كثيرًا عليهم، وهذا ما يحصل اليوم، حيث إن المواطن يدفع فواتير سابقة متأخّرة الإصدار هي أعلى لأن ساعات التغذية كانت أكثر، وبالتزامن مع ارتفاع تكلفة الاشتراك بسبب انخفاض ساعات التغذية من كهرباء لبنان.
ويرى أنه كان من المفترض، لتخفيف العبء عن المواطن، أن تبقى ساعات التغذية مرتفعة إلى حدود العشر ساعات، بل أن تزيد عن ذلك إلى 12–14 ساعة، وتؤمّن انخفاضًا لفاتورة الاشتراك والفاتورة الإجمالية للمواطن وليس العكس.
ويلفت إلى أن سوء التغذية اليوم ناتج عن عدم تفعيل الاتفاقيات مع العراق، الذي كان يزوّد لبنان بحاجته من "الغاز أويل" عبر مبادلة زيت الوقود الثقيل العراقي، مع تسهيلات من الدولة الشقيقة بالنسبة لجدولة تسديد المتوجّبات على لبنان، وذلك على شكل خدمات وليس عملة صعبة، نظرًا للعلاقات الجيدة بين البلدين، وكان من الممكن تقديم خدمات للدولة العراقية مقابل الفيول، ولكن الحكومة لم تبادر إلى ذلك.
ويشير إلى أن الحكومة اليوم ذهبت إلى حلول تعتمد على هبات من الدول الصديقة، ولكن هذه الهبات المحدودة، ومع الترحيب بها وتقديم الشكر للدول الشقيقة المانحة ومنها الكويت اليوم، وقبلها الجزائر يوم كان هو وزيرًا، لا يمكن أن تكون فعّالة مثل اتفاقيات مشتركة طويلة الأمد ومستدامة مع بلد صديق مثل العراق، فلا يمكن أن يتقدّم هذا الحل على علاقة استراتيجية، وإنما ممكن أن يكون مكمّلًا لها.
ويعتبر أن وزير الطاقة ربما تسرّع في هذا الخيار، لا سيما أن الحكومة تبحث اليوم عن دائنين، لا سيما صندوق النقد وشركائه من المؤسسات الإقليمية والعالمية، للاستدانة من أجل تمويل الاقتصاد والبُنى التحتية، فلماذا التراجع عن العلاقة مع العراق الذي يستثمر في لبنان؟ وبدل زيادة التعاون معه ومع الدول الصديقة الأخرى التي ممكن أن تقدم مثل هذه الحلول الداعمة، يتم إيقافه؟
ويذكّر أنه في عهده حصل لبنان في آخر سنة تعاقدية مع العراق، وهي مستمرّة مفاعيلها اليوم مع الوزارة الحالية، على مليوني طن من الفيول بدل مليون طن سنويًا كما كان في السنة الأولى منه، بحيث بات يحصل على ما يوازي مليون طن من "الغاز أويل" بالمقابل عبر المبادلة، وهذا ما يولّد حوالي 800 ميغاواط من الكهرباء، وذلك إضافة إلى اتفاق آخر مع العراق لاستيراد النفط الخام على أسس تجارية ومبادلته بالفيول بما يؤمّن الوصول بالإنتاج إلى 1200 ميغاواط، وبالتالي يسمح بإعطاء ما بين 12 و14 ساعة تغذية يوميًا.
ويستغرب قرار الحكومة الحالية توقيف العمل بالاتفاق الأهم، أي الفيول الأسود، واستبداله بالهبات، ولكن الهبات لا يمكن أن تمنح ساعات ثابتة من التغذية وبطريقة دورية ومستدامة، لذلك ليس هناك استمرارية بتأمين مخزون كافٍ يمنع التراجع في ساعات التغذية.
كما يتساءل عن الأسباب التي تمنع حاليًا تسريع الجباية لتجميع مبالغ أكثر من أجل شراء كميات إضافية من الفيول،وخاصة استيفاء استحقاقات كهرباء لبنان من الإدارات والمؤسسات العامة، التي تبلغ اليوم مئات ملايين الدولارات تراكمت خلال السنوات الثلاث الماضية منذ إصلاح التعرفة، من دون أن تُسدّد رغم قرارات الحكومة الواضحة في هذا الموضوع، علمًا أن ذلك يسمح بتسديد قسم كبير من مستحقات لبنان للعراق ويضمن إمكانية الاستمرارية بهذه الاتفاقية، وبالتالي تحقيق الزيادة الملحوظة والمنشودة في التغذية الكهربائية.
وفي الختام يؤكد فياض، أن هذه الأسباب مجتمعة هي السبب وراء تراجع ساعات التغذية.