ليس من الخطأ ربط المبادرة التي تقدّم بها حزب الله باتّجاه السعودية بزيارة المسؤول الإيراني علي لاريجاني إلى المملكة العربية السعودية، فالزيارة كانت حاسمة في هذا السياق، ولكن من الخطأ اعتبار الزيارة بداية المسار الذي أوصل بالشيخ نعيم إلى تقديم الاقتراح علناً، فالمسألة بحسب مصادر سياسية مطّلعة بدأت قبل ذلك، وتحديداً مطلع الصيف الماضي من خلال طرح فكرة الحوار بين السعودية والحزب، وإعادة التأكيد على ذلك في زيارة لاريجاني إلى بيروت والمتوجة بلقاء الرئيس نبيه بري في آب الماضي. ففي ذلك اللقاء رسم بري مسار المرحلة الذي أعاد التوازن الداخلي الذي فُقد في جلستي الحكومة في 5 و7 آب، وطلب بشكل واضح من لاريجاني أن يعمل على هذه المسألة، وبنتيجة الظروف، وبعد العدوان على قطر كانت اللحظة مناسبة لاعتبارات عديدة.
لطالما كانت نصيحة الرئيس بري أنّ العلاقات مع المحيط العربي يجب أن تكون سوية قدر الإمكان، فالرجل الذي لم يقطع خطوط التواصل مع العرب في أحلك الظروف في المنطقة، يعتبر أنّ الشيعة في لبنان لا يمكن لهم أن يخاصموا البحر السني الذي يعيشون وسطه، ويرى أن المدخل لذلك يجب أن يكون من خلال تفعيل معادلة تحسين العلاقات بين إيران والسعودية، كون العلاقات الجيدة بين البلدين تُريح المنطقة وتنعكس على لبنان حتماً، لعلم الرئيس بري بالدور الذي تلعبه المملكة في المنطقة بالوقت الراهن، وتساعد بنفس الوقت على مواجهة المشروع الإسرائيلي التوسعي.
ترى المصادر السياسية عبر “ليبانون ديبايت” أنه في حال تطوّرت المبادرة ونجحت في إعادة وصل ما انقطع بين حزب الله والسعودية، أو على الأقل أدّت إلى تجميد الخلافات، فإن الداخل اللبناني سيكون أول المستفيدين، مشيرة إلى أنّ أي خرق إيجابي مع الرياض قد يفتح باب المساعدات، ويدفع باتجاه مشاريع إعادة الإعمار والاستثمار، وبالحد الأدنى يمنح لبنان فرصة لالتقاط أنفاسه ويخفف الضغط على الداخل.
وتكشف المصادر أن المملكة أبدت انفتاحها على الحوار، ولكن الموقف الرسمي لن يخرج عن إطار “أهمية بناء العلاقات من دولة إلى دولة”. فالسعودية لطالما كانت تردد أنها لا تعمل في لبنان مع قوى سياسية بل مع الدولة، ولن تخرج اليوم عن هذا الخطاب الرسمي. ولكن وبشكل غير رسمي، كان موقفها جيداً وأرسلت رسائل للمعنيين بأن المبادرة جيدة ويُبنى عليها. كما تُشير المصادر إلى أن تنفيس الاحتقان الداخلي في جلسة الحكومة في 5 أيلول الماضي كان بجزء منه رسالة من هذه الرسائل السعودية.
لكن في المقابل، ما إن خرجت المبادرة إلى العلن حتى انبرى فريق لبناني للهجوم على حزب الله، مستعيداً كل ما يمكن استثماره في سبيل تأجيج الخلاف واستعادة الماضي. هؤلاء، بحسب المصادر، يرون أن أي مصالحة بين الحزب والرياض ستسحب منهم ورقة سياسية أساسية عنوانها الاستثمار في الخلاف السعودي مع الحزب لتعزيز موقعهم الداخلي. بمعنى آخر، الحزب إذا تراضى مع السعودية، فإن خصومه اللبنانيين سيخسرون أحد أهم مصادر قوتهم السياسية، بل قد يجدون أنفسهم مكشوفين أمام جمهورهم الذي طالما رُبطت مصالحه بالرياض.
كذلك فإن هجوم هذا الفريق لا ينفصل عن خشيتهم من تحوّل ميزان القوى الداخلي. فالحزب، إذا نجح في التفاهم مع السعودية، سيكسر صورة “العداء المطلق” التي رُسمت حوله طوال السنوات الماضية. وهذا يعني أنه سيحصد شرعية عربية إضافية، ويخفّف من حدة الحصار السياسي المفروض عليه، وهو ما يضر مباشرة بمصالح خصومه الذين بنوا خطابهم على أساس “شيطنة الحزب” وربطه بمحور معزول عن العرب.
اللحظة الراهنة تحمل تناقضاً صارخاً، فمن جهة، نحن أمام مبادرة لبنانية – سعودية يمكن أن تفتح باباً لحلٍّ اقتصادي وسياسي، ومن جهة أخرى تصعيد إسرائيلي يتجه نحو رفع منسوب التوتر وربما التوسيع العسكري.