ترأّس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة مار جرجس في بلدة القليعة – قضاء مرجعيون، مؤكداً أن "بقاء الجنوب قويًا ومحصنًا هو الضمانة الحقيقية لبقاء لبنان"، ومشدداً على أن "انتشار الجيش اللبناني على كامل أرض الجنوب ليس فقط مطلبًا، بل هو حق سيادي وواجب وطني لا يمكن التنازل عنه".
وجاءت مواقف الراعي في ختام جولته الراعوية التضامنية التي شملت بلدات الجرمق، العيشية، إبل السقي، كوكبا، جديدة مرجعيون، على أن يستكمل لاحقًا زيارته إلى النبطية، الكفور، كفروة، الحجة والعدوسية.
وقال الراعي: "يسعدني أن أكون بينكم اليوم في القليعة الصامدة، وأحيي الأهالي الذين صمدوا في وجه الاعتداءات والحروب، وتمسكوا بأرضهم وهويتهم. الجنوب ليس ساحة صراع، بل أرض خصبة بالعيش المشترك، مليئة بالوطنية والكرامة والحرية. هذه الأرض التي عانت من الحروب تستحق السلام، وأهلها يستحقون الأمان والعدالة. نقف اليوم تضامناً معهم، حاملين صوتهم إلى كل من يعنيهم أمر الوطن".
وأضاف: "نحيي إخواننا من الطائفة الشيعية الكريمة، أبناء هذه الأرض المباركة، شركاءنا في المصير والوطن، الذين بوجودهم وصمودهم يشكّلون مع إخوانهم المسيحيين والسنّة والدروز شهادة حيّة للتعايش والكرامة في جنوبي لبنان. ويكتبون تاريخاً واحداً من العيش والصمود".
وتابع: "لا يمكن أن نكون اليوم في القليعة من دون التوقف عند ما تحمّلته هذه الأرض وأبناؤها من خسائر بشرية ومادية فادحة: عائلات فقدت أعزاءها، آباء رحلوا، أمهات ترملن، أطفال تيتموا، بيوت هُدمت، حقول أُحرقت، أشجار اقتُلعت، مزارع دُمّرت. شباب أصيبوا بجراح جسدية ومعنوية ما زالت ترافقهم حتى اليوم، وآخرون خسروا جنى عمرهم ومصدر رزقهم. ومع ذلك، بقيتم واقفين متمسكين بأرضكم ومؤسساتكم ومدارسكم ودور عبادتكم. هذه الأرض ليست للبيع ولا للتنازل. نعم، دفعتم أثماناً غالية، لكن بدموعكم وصمودكم أكدتم أن الجنوب حيّ وأن لبنان لن يموت".
وأشار الراعي إلى أن "لكلمة الإنجيل اليوم: (من يصبر إلى النهاية يخلص) بعداً وطنياً. فالوطن ثمرة صبر أبنائه وصمودهم، والجنوب هو المثال الأبرز. نحن نتأمل سلاماً قريباً، سلاماً يترسخ بانسحاب إسرائيل الكامل والنهائي من الجنوب وبسط الدولة سيادتها الشرعية على كامل أراضيها. الجيش اللبناني هو الضمانة والحصانة الوحيدة لأرضنا وشعبنا".
وشدد على أن "الجنوب ليس مجرد منطقة من لبنان بل قلبه النابض. ما يعيشه الجنوب يعيشه كل لبنان. معاناة أهله تعكس أزمة وطن بأسره. صمود الجنوبيين هو صمود لبنان كله، وتضحياتهم باسم الأمة اللبنانية كلها. آن الأوان أن تتحول هذه التضحيات إلى ثمار وطنية سياسية واقتصادية وإنمائية، وأن يُعطى لأبناء الجنوب ما يحفظ بقاءهم في أرضهم بعيداً من الهجرة أو بيع الأملاك".
وأضاف: "بقاء الجنوب قوياً ومحصناً هو ضمانة لبقاء لبنان، وتعزيز صمود أهله واجب وطني وأخلاقي. مسؤوليتنا جميعاً أن نتكاتف لإعادة بناء لبنان على أسس متينة: سيادة لا مساومة عليها، دولة قانون قوية، اقتصاد منتج يثبّت الناس في أرضهم، وتربية روحية ووطنية تخرّج أجيالاً تحب لبنان وتخدمه. لذلك يُطلب من أبناء الجنوب أن يكونوا أبطال سلام يضحّون من أجله كما ضحّوا خلال الحرب دفاعاً عن كرامتهم وأرضهم".
وختم الراعي: "نرفع صلاتنا كي يمنح الله لبنان، انطلاقاً من جنوبه المقدس، سلاماً قريباً ودائماً نابعاً من العدالة والسيادة والكرامة. نصلّي أن تُشفى جراح الناس والأرض، أن تُبنى البيوت من جديد، أن تزهر الحقول وتعود خيراتها. نطلب من الله أن يبارك أبناء هذه الأرض ليعيشوا دائماً في وئام ووحدة، ويكونوا مثالاً لجميع اللبنانيين على أن المصير واحد والرجاء واحد والوطن واحد".
وكان البطريرك الراعي قد زار صباح اليوم، في محطته الثانية بجنوب لبنان، أبرشية صور المارونية.