أصدر وزير العدل بتاريخ 2 تشرين الأول 2025 التعميم رقم 1355 الموجّه إلى كتّاب العدل، متضمناً إلزامات وإجراءات جديدة أبرزها:
1- إلزام كتّاب العدل بالتحقق من هوية “مالك الحق الاقتصادي” ومصدر الأموال في المعاملات العقارية.
2- فرض إدراج تعهّد ضمن كل عقد بأن الأطراف غير مدرجة على لوائح العقوبات الوطنية أو الدولية.
3- ربط إتمام المعاملات بالتحقق مع هيئة التحقيق الخاصة.
4- منع إتمام بعض العقود في حال تبيّن إدراج الأطراف على لوائح العقوبات.
وقد أثار هذا التعميم جدلاً واسعاً حول مدى قانونيته، إذ اعتبره المحامي مارك حبقة في استشارة قانونية أنه يشكل تجاوزاً لصلاحيات الوزير ومخالفة للأصول الجوهرية، مما يجعله عرضة للطعن أمام مجلس شورى الدولة بمراجعة الإبطال لتجاوز حد السلطة.
أما عن الأساس القانوني الذي استند عليه حبقة في استشارته، فقد جاء على النحو التالي:
1- الدستور اللبناني، الذي حمى الملكية الفردية ومنع فرض القيود عليها.
2- قانون تنظيم مهنة كتاب العدل رقم 337/1994، الذي يحدد مهام كاتب العدل كموثق للعقود وضامن لصحتها الشكلية والقانونية.
3- قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44/2015، الذي يُلزم بعض الجهات المبلّغة (منها المصارف وبعض المهن القانونية) باتخاذ إجراءات العناية الواجبة، لكنه لم يمنح وزير العدل سلطة مباشرة لتقييد صلاحيات الأفراد في إجراء تصرفاتهم.
4- نظام مجلس شورى الدولة الصادر في 14/6/1975 بالمرسوم رقم 10434، وقانون تنظيم وزارة العدل الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 151 تاريخ 16/9/1983، والمرسوم الاشتراعي رقم 111 تاريخ 12 حزيران 1959 (تنظيم الإدارات العامة)، التي حدّدت الإجراءات الشكلية الواجب اتباعها عند إصدار التعاميم.
5- اجتهاد مجلس شورى الدولة المستقر على أن التعاميم الوزارية لا تملك قوة تشريعية ولا يجوز أن تُنشئ التزامات أو حقوقًا جديدة غير منصوص عليها بالقانون.
وفي ما يتعلق بمخالفات التعميم، أشار حبقة إلى:
1- إن التعميم رقم 1355 يتخطى حدود الصلاحية التنظيمية الممنوحة لوزير العدل:
أ. من حيث المبدأ، يحق للوزير إصدار تعاميم تنظيمية توجيهية تتعلق بحسن سير العمل الإداري لدى كتاب العدل.
ب. غير أن التعميم لم يقتصر على تنظيم إجراءات داخلية، بل ذهب إلى حد منع إتمام معاملات قانونية وإخضاعها لشرط مسبق (التحقق من العقوبات الدولية). وهذا الإجراء يُعدّ تقييدًا جوهريًا لأهلية الأفراد في التصرّف، وهو أمر لا يتم إلا بموجب قانون أو حكم قضائي.
ت. ربط المعاملات بموافقة هيئة التحقيق الخاصة أو لوائح العقوبات يضع كاتب العدل في موقع “الرقيب المالي” بدل كونه “الموثّق”، وهو ما يتعارض مع وظيفته الأصلية المحددة بالقانون.
ث. فرض صيغة إلزامية في العقود (التعهد بعدم الخضوع للعقوبات) يشكل بدوره إضافة غير منصوص عليها في القوانين المرعية.
ج. عليه، فإن التعميم – وإن استند إلى قانون 44/2015 – إلا أنه توسّع في تفسير النص إلى درجة خلق التزامات جديدة دون نص تشريعي، مما يعرّضه للإبطال أمام مجلس شورى الدولة.
2- إن التعميم خالف الأصول الجوهرية المفروض التزامه بها:
أ. بما أن التعميم ذي طبيعة تنظيمية، كان يجب على الوزير أن يستشير مسبقاً مجلس شورى الدولة عملاً بالمادة 57 من نظام المجلس، وامتناعه عن ذلك يؤلف مخالفة لهذه المادة، ما يجعله معيبا بمخالفة الأصول الجوهرية ويعرضه للإبطال.
ب. التعميم الموجه إلى كتاب العدل قد تجاهل المادة 50 من نظام كتاب العدل التي توجب عرض مشروع التعميم على مجلس كتاب العدل لإبداء الرأي فيه قبل إصداره، ما يؤدي إلى اعتباره مخالفاً للأصول الجوهرية المسبقة ويعرضه للإبطال.
ت. التعميم لم يؤشر عليه مدير عام وزارة العدل أو يبدي مطالعته الإيجابية حوله وفاقا لما تفرضه المادتان الخامسة من قانون تنظيم وزارة العدل الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 151 تاريخ 16/9/1983، والسابعة من المرسوم الاشتراعي رقم 111 تاريخ 12 حزيران 1959 (تنظيم الإدارات العامة)، مما يجعله مخالفاً لإجراء شكلي آخر.
ث. إن نظام كتاب العدل، لا سيما المادة 43 منه، أناط صلاحية تعديل موجبات كتاب العدل بمجلس الوزراء وليس بالوزير منفردا، فضلا عن أن هناك أموراً فرضها التعميم تدخل في صلاحية مجلس النواب، ما يجعله متجاوزاً لحدود سلطة الوزير، وهو ما يعرضه للإبطال لهذا السبب أيضاً.
خلصت الاستشارة إلى أن التعميم رقم 1355 مخالف للقانون كما سلفت الإشارة. وبالإجراءات، يمكن الطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة، عن طريق مراجعة الإبطال لتجاوز حد السلطة، المنصوص عليها في المادة 65 من نظام مجلس شورى الدولة باعتبار التعميم عملاً تنظيمياً صادراً عن وزير لأنه أوجد موجبات جديدة على كتاب العدل، علماً أن مهلة الطعن في هذا العمل هي شهران.
كما حدد حبقة عدداً من التوصيات العملية، أبرزها:
1- إعداد مراجعة الإبطال لتجاوز حد السلطة، لتقديمها ضمن مهلة الشهرين القانونية.
2- التشديد على وجوب احترام المبادئ الدستورية (حرية التملك والتصرّف – مبدأ الشرعية).
3- إثارة الدفع بانعدام الأساس القانوني للتقييد، لكون التعميم يشكل تعديًا على صلاحية السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء.
وبذلك، يبقى التعميم رقم 1355 محور سجال قانوني وقضائي مفتوح أمام مجلس شورى الدولة في الأسابيع المقبلة.