“ليبانون ديبايت”
منذ البداية، لم تكن قضية الفنان فضل شاكر قضية عادية، بل تحوّلت إلى قضية رأي عام، لأنّها تتعلق باسم معروف على مستوى العالم العربي، لا بإنسان عادي. ولعلّ هذا ما يفسّر التعاطف الشعبي معه، لكن هذا التعاطف حين يتجاوز حدود الفن ليصل إلى القضاء، يصبح في غير مكانه.
فـ فضل شاكر، المطلوب للعدالة لسنوات طويلة، ليس مجرد فنان صاحب صوت جميل ومسيرة لامعة، بل متَّهَم في قضايا خطيرة، أبرزها مشاركته في التحريض والقتال ضد الجيش اللبناني في معركة عبرا، المعركة التي سقط فيها شهداء من المؤسسة العسكرية. والتعاطف مع شخص متورّط في دماء الجيش اللبناني لا يُعدّ موقفاً إنسانياً أو فنياً، بل استخفافاً بالقيم الوطنية وبحقوق الشهداء.
اليوم، وقد بات فضل شاكر في عهدة القضاء اللبناني، لم يعد مقبولاً أن تُستغل العاطفة الشعبية لإطلاق حملات ضغط إعلامية هدفها تبرئته قبل صدور أي حكم. فالقضاء وحده هو الفيصل، ولا يجوز أن يُعامل شاكر كـ “حالة استثنائية” خارج القانون. المطلوب أن يخضع لمحاكمة عادلة كأي مواطن لبناني، فإن كان بريئاً فليثبت ذلك بالأدلة، وإن كان مذنباً فليتحمّل المسؤولية.
لكن السؤال الجوهري يبقى: لو كان بريئاً فعلاً، لماذا هرب سنوات طويلة واختبأ في مخيم عين الحلوة بعيداً عن القضاء؟ ولماذا لم يسلم نفسه منذ البداية ليواجه التهم بشجاعة وشفافية؟
قضية فضل شاكر اليوم ليست معركة إعلامية ولا حفلة تلميع، بل هي امتحان لهيبة الدولة اللبنانية وعدالتها. العدالة لا تُصنع بالشعارات ولا بتغريدات التعاطف، بل في قاعة المحكمة، حيث تُعرض الأدلة وتُبنى الأحكام.
والأخطر أن هناك جهات سياسية وإعلامية معروفة تتولى بشكل مباشر عملية “تبييض صورة” فضل شاكر في حملة منظمة وممولة، عبر إظهاره بمظهر الضحية وتجاهل حقيقة تورطه في أحداث دامية. هذه الجهات تتحمّل مسؤولية جسيمة، لأنها لا تدافع عن فنان كما تزعم، بل تشارك بوعي في طمس جريمة موثقة بدماء شهداء الجيش. إن محاولات إعادة تدوير شاكر اجتماعياً وإعلامياً ليست سوى اعتداء جديد على العدالة وعلى عائلات الشهداء، وتكشف حجم التواطؤ القائم لتقويض هيبة الدولة ومؤسساتها القضائية.
فإمّا أن يقول القضاء كلمته الفصل، وإمّا أن يبقى فضل شاكر عنواناً لفوضى التعاطف في غير مكانه، وفوضى أخطر منها: فوضى العدالة الانتقائية.