تعيش الناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبرغ (22 عامًا)، المصابة بمتلازمة أسبرجر (وهي شكل من أشكال التوحّد عالي الأداء)، واحدة من أكثر مراحل حياتها قسوة بعد تعرّضها، وفق شهادات متقاطعة، للتعذيب والمعاملة المهينة على يد السلطات الإسرائيلية أثناء مشاركتها في "أسطول الصمود العالمي" الهادف إلى فك الحصار عن قطاع غزة.
فقد كشف الناشط والصحافي التركي أرسين تشليك، أحد المشاركين في الأسطول، أن القوات الإسرائيلية أجبرت غريتا على الزحف وتقبيل العلم الإسرائيلي خلال احتجازها في المياه الدولية، في مشهد أثار صدمة واسعة. وأكّد الصحافي الإيطالي لورنزو داغوستينو، الذي كان ضمن الطاقم، أنّ الجنود الإسرائيليين لفّوا العلم حولها واستعرضوها كما لو كانت “غنيمة”.
اكتسبت غريتا شهرتها العالمية كمحركة رئيسية لحملات مكافحة التغير المناخي، إذ ألهمت ملايين الشباب حول العالم من خلال إضرابها المدرسي الأول عام 2018 أمام البرلمان السويدي، الذي تحوّل إلى حركة عالمية تحت شعار «أيام الجمعة من أجل المستقبل».
لكن العدوان الإسرائيلي على غزة شكّل منعطفًا جوهريًا في مسيرتها. فقد تحوّلت من الدفاع عن البيئة إلى الدفاع عن الفلسطينيين، معتبرة أن العدالة المناخية لا تنفصل عن العدالة الإنسانية.
وكتبت غريتا في مقال مشترك نشرته في صحيفة الغارديان بعنوان: «لن نتوقف عن التحدث علنًا عن معاناة غزة... لا عدالة مناخية بدون حقوق الإنسان».
بعد هجوم 7 تشرين الأول، واجهت غريتا حملات هجوم شرسة من جماعات مؤيدة لإسرائيل، واتُهمت بعدم إدانة “حماس”، لكنها أوضحت لاحقًا:
«لا داعي للقول، وأنا ضد كل الهجمات على المدنيين. لكن يجب على العالم أن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار والحرية للفلسطينيين».
ردّت وزارة التعليم الإسرائيلية حينها بحذف اسمها من المناهج الدراسية التي كانت تُقدّمها كنموذج للشباب.
لم تتراجع غريتا، فواصلت مشاركاتها في الوقفات المؤيدة لفلسطين. واعتُقلت في السويد والدانمارك وألمانيا خلال مظاهرات تضامنية مع غزة، مؤكدة أن «الصمت جريمة». وفي إحدى خطاباتها بمدينة مانهايم صرخت وسط الحشود:
«اللعنة على ألمانيا... واللعنة على إسرائيل».
انضمت الناشطة السويدية إلى أسطول الصمود العالمي الذي ضم أكثر من 50 سفينة مدنية، في محاولة جديدة لكسر الحصار البحري المفروض على غزة. وكما كان متوقعًا، صعد الجيش الإسرائيلي على متن السفن في المياه الدولية واحتجز المشاركين، من بينهم غريتا، في ظروف وصفتها التقارير بـ«المهينة والقاسية».
صحيفة الغارديان البريطانية نقلت عن رسالة رسمية من وزارة الخارجية السويدية إلى عائلتها أن غريتا تُحتجز في مكان غير إنساني، تتلقى فيه كميات محدودة من الماء والطعام، وتعاني من طفح جلدي بسبب حشرات الفراش، وأُجبرت على الجلوس لساعات طويلة على أرض صلبة، فيما أكّد محتجزون آخرون أنها أُجبرت على التصوير وهي تحمل أعلام إسرائيلية.
تثير غريتا اليوم هستيريا في أوساط اللوبي الصهيوني وحلفائه، إذ تمثل صوتًا يحظى باحترام عالمي وتعاطف واسع من جيل الشباب وجيل "زد" الذي تعتبره إسرائيل “الجيل الأخطر على روايتها”.
لم تضع غريتا سياسات بيئية محددة، لكنها غيّرت وعي العالم تجاه المناخ، واليوم تغيّر وعي الأجيال تجاه فلسطين وغزة، التي وصفتها تقارير الأمم المتحدة بأنها تتعرض لإبادة جماعية حديثة الأسلوب.
غريتا التي أعلنت مرارًا أنها "ليست جزءًا من أي منظمة، بل صوت مستقل حر"، أصبحت اليوم رمزًا للمقاومة المدنية العالمية ضد الظلم والاضطهاد.
ورغم ترحيلها بعد احتجازها الأخير، يتوقع مقربون منها أن تعود مجددًا للمشاركة في قوافل فك الحصار القادمة، لتؤكد أن نضالها من أجل المناخ والحياة يمتد إلى نضال من أجل العدالة والحرية في غزة.