تستعدّ حكومات الاتحاد الأوروبي لفرض قيود جديدة على تحركات الدبلوماسيين الروس داخل أراضيه، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة وتأتي على خلفية اتهامات متزايدة لموسكو باستغلال الغطاء الدبلوماسي لتنفيذ عمليات تجسس وتخريب في دول أوروبية.
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية كشفت أنّ القرار جاء بعد تقارير استخبارية أوروبية تشير إلى أنّ عملاء روساً ينشطون تحت صفة دبلوماسية، يقفون وراء سلسلة أعمال عدائية استهدفت دول "الناتو"، بينها حرائق، هجمات إلكترونية، عمليات تخريب للبنى التحتية، واستخدام طائرات مسيّرة في اختراقات أمنية. وتصف أجهزة الأمن الأوروبية هذا النشاط بأنه "حملة منسقة تهدف إلى زعزعة استقرار حلفاء كييف".
الإجراءات الجديدة، التي قادتها براغ، ستلزم الدبلوماسيين الروس بإبلاغ الدول المضيفة مسبقاً عن أي تنقلات خارج حدود البلد الموفدين إليه. وتُعتبر هذه الخطوة جزءاً من حزمة عقوبات جديدة يجري إعدادها رداً على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لكن إقرارها النهائي يحتاج إلى إجماع أوروبي، في ظل استمرار بعض الانقسامات. فبينما تراجعت هنغاريا عن استخدام حق النقض ضد القرار، ما زالت هناك خلافات، خصوصاً مع اقتراح من النمسا يربط تمرير العقوبات برفع تجميد عن أصول مرتبطة بالأوليغارشي الروسي أوليغ ديريباسكا، بهدف تعويض بنك "رايفايزن" المتضرر في روسيا، وهو ما رفضته 12 عاصمة أوروبية.
وزير الخارجية التشيكي يان ليبافسكي قال إن "الإجراء ضروري لإعادة مبدأ المعاملة بالمثل"، مضيفاً: "ليس من المنطقي أن يتمكن دبلوماسي روسي معتمد في إسبانيا من التنقل بحرية إلى براغ، بينما يُمنع دبلوماسيونا من ذلك في روسيا". وأكد أن القيود الجديدة ستفرض رقابة صارمة على إصدار التأشيرات الدبلوماسية قصيرة الأمد بموجب اتفاقية فيينا.
التوتر الحالي يعيد إلى الأذهان حادثة كبرى عام 2014، حين انفجر مستودع ذخيرة في قرية فربيتيتسه التشيكية، ما أدى إلى مقتل شخصين. براغ حمّلت حينها عملاء الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) المسؤولية، واعتُبرت واحدة من أبرز عمليات التخريب الروسي على أراضي الاتحاد الأوروبي.
المخاوف الأوروبية تعززت أيضاً بعد سلسلة تقارير عن استخدام موسكو لطائرات مسيّرة لأغراض عسكرية وأمنية في مناطق مختلفة، بينها قواعد عسكرية ومطارات ومراكز مدنية في ألمانيا والدنمارك. نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق ديمتري مدفيديف علّق قائلاً إن "من الصعب تحديد الجهة التي تقف وراء هذه العمليات"، لكنه استغل المناسبة لتهديد الغرب قائلاً: "المهم أن الأوروبيين يفهموا أخيراً واقع الحرب".
في واشنطن، دخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خط التصعيد، مؤكداً أنّ روسيا "تمثل تهديداً مباشراً" للولايات المتحدة، وكشف أنّ موسكو أرسلت مؤخراً غواصة نووية وصفها بأنها "أخطر سلاح على الإطلاق". وأعلن ترامب أنه أمر بتمركز غواصة أميركية مزوّدة بصواريخ نووية على مقربة من السواحل الروسية، قائلاً: "لن نرغب أبداً باستخدام السلاح النووي، لكن جيشنا سيبقى أقوى وأكثر صلابة من أي وقت مضى".
بهذا، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام معادلة دقيقة بين تعزيز أمنه الداخلي ومواجهة ما يصفه بـ"الشبكة الروسية المعقّدة للتجسس والتخريب"، وبين تحديات الانقسام الداخلي حول طبيعة العقوبات وشدتها، فيما يتواصل التصعيد الكلامي بين موسكو والغرب على ضفتي الأطلسي.