هذه الخطوات تدل على أن ملف النفايات أمام إحتمالين لمعالجته، إما إتباع حلول ترقيعية (على أبواب إنتخابات نيابية)، إذ أن مطمر الجديدة يضم ثلاثة جبال من النفايات بات إرتفاعها نحو 25 متراً، وما زالت هناك فسحة يمكن إستخدامها، لكنها في حاجة إلى صدور قرار عن مجلس الوزراء بتوسيع مطمر الجديدة. أو إتخاذ قرار سياسي بتطبيق القانون رقم 80/2018 وإسمه قانون الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة في لبنان، والذي ينقل معالجة ملف النفايات من الإطار المركزي نحو اللامركزية في بناء المطامر ومعامل الفرز. والجدير بالذكر أن هذا القانون جاهز من ناحية المراسيم التطبيقية ولا ينقصه سوى قرار من مجلس الوزراء.
قبل الإضاءة على هذا القانون، لا بد من الإشارة إلى أن الكلفة الإقتصادية لتراكم النفايات، ستُترجم بزيادة تكاليف التنظيف والنقل إلى مكبات بديلة بعيدة، خسائر صحية وطبية لجهة تلوث الهواء والمياه، يؤدي إلى زيادة في أمراض الجهاز التنفسي، الأمراض الجلدية، والأمراض المنقولة، إرتفاع في نفقات القطاع الصحي لمعالجة هذه الأمراض، وتأثير سلبي على القطاع السياحي والعقاري لجهة روائح كريهة، مظهر بيئي متردّي، بالإضافة إلى تكاليف استئجار مطامر مؤقتة أو شاحنات إضافية.
ياسين : المتوقع إستثمار ملف النفايات في الإنتخابات المُقبلة
إذا التحدي الأساسي أمام الحكومة هو التجاذب السياسي، الذي قد يمنع أي معالجة صحيحة لهذا الملف الحيوي والمهم، وهذا ما حصل منذ تسعينات القرن الماضي. وفي هذا الإطار يشرح وزير البيئة السابق ناصر ياسين ل"ليبانون ديبايت" أن "الأزمة الحالية تنفجر ونحن على أبواب الإنتخابات النيابية، ومن المتوقع أن يتم إستثمارها في الإنتخابات المُقبلة، مع تسجيل أن المواقع الجغرافية لمطمري الجديدة والكوستابرافا غير ملائمة على مداخل العاصمة، ووسط مناطق إقتصادية وسكانية، ولذلك هذا الملف يحتاج الى قرار شجاع لأن الحلول موجودة".
يذكّر ياسين أن "مشكلة النفايات مزمنة، فمنذ التسعينات وحتى العام 2015 لم يكن هناك عمل حقيقي على إدارة علمية لملف النفايات إلا بعد إنفجار أزمة النفايات في ذلك العام. وقتها تعاونت الحكومة مع مجلس النواب على إصدار قانون إطاري رقم 80/2018 ، وإسمه قانون الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة في لبنان، وهو قانون إطاري أي أنه يضع كل التوجهات الكبيرة، ويحدد دور الوزارات في هذا الملف مع إعطاء سلطة وصاية لوزارة البيئة (كانت مغيبة قبلا)"، موضحا أن "وزارة البيئة منذ العام 2019، حرص الوزراء المتعاقبون وحتى اليوم، على العمل على تطبيق هذا القانون، من خلال وضع المراسيم التطبيقية والقرارات التنظيمية التي توصلنا الى حل مشكلة النفايات في لبنان".
ويشرح أن "هذا القانون ينص على وضع إستراتيجية وطنية لإدارة النفايات، وهذا ما تم تنفيذه في العام الماضي، وتعيين هيئة وطنية لإدارة النفايات أصدرنا مرسومها في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وحاليا حكومة الرئيس نواف سلام أعلنت عن قيام مباراة لتعيين رئيس وأعضاء هذه الهيئة"، لافتا إلى أن "القانون ينص أيضا على وضع خطط محلية للإنتقال إلى لامركزية العمل، وهذا ما نفذناه حيث تم تقسيم خريطة لبنان الى نحو 17 منطقة، وكل منطقة وُضع لها خطة عمل محلية وهذا ينقل القطاع نحو اللامركزية، ويُمكن من تأسيس مراكز فرز ومطامر على المستوى المحلي، وهو أقل وطأة وضغطا من تنفيذه على مستوى مركزي للبنان ككل".
يضيف:"كما بدأنا بخطة تطوير لمعامل الفرز المُدمرة أو المُعطلة، وبالتعاون مع البنك الدولي و undp، أما الحل لملف النفايات فيكون من خلال تنفيذ ثلاث عناوين يجب العمل عليهم، أولها تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة التي صدرت بمرسوم في بداية العام الحالي، أي تطبيق اللامركزية في إدارة ملف النفايات، ليُدار عبر إتحادات البلديات بإشراف وزارة البيئة والهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة"، مشيرا إلى أن "الخطوة الثانية للحل هي إقامة مطامر محلية للنفايات، على أن تكون في البداية في المناطق المتدهورة بيئيا أي كسارات ومقالع عشوائية قديمة يعاد تأهيلها لتكون مطامر صحية، تُطبق معايير الشفافية والحوكمة أي العزل الطمر والتنفيذ ومعالجة المياه الآسنة والغازات التي تنتج عنها، لأن الطمر خطوة لا مفر منها، ومهما قمنا بعمليات الفرز سيبقى كميات من النفايات الواجب طمرها، أما الخطوة الثالثة للحل إنشاء معامل فرز من المصدر لتخفيف كميات الطمر مما يؤمن إستدامة المطامر لسنوات أطول".
يجزم ياسين أن "الحلول القائمة على المحارق وتصدير النفايات أمور لا جدوى حقيقية منها، خصوصا أن القانون الموضوع جاهز للتنفيذ مع صدور مراسيمه التطبيقية، وما ينقصه هو قرار سياسي يعتمد على بناء الثقة مع الناس، التي غالبا ما ترفض إقامة مطامر في مناطقها، لإقناعهم بجدوى هذه المطامر بيئيا وصحيا"، مشددا على أن "الحل يحتاج إلى تمويل بملايين الدولارات وهذا أمر ضروري ومُجدي وله إنعكاس إيجابي على المواطنين صحيا وخدماتيا، ويمكن تأمين جزء من هذا التمويل عبر رسوم بلدية وجزء آخر من الصندوق البلدي وجزء ثالث من الموازنة العامة"، ويعتبر أن "تنفيذ القانون ينقذ لبنان بكامله بمبالغ لا تزيد عن بضع مئات من ملايين الدولارات، شرط إقناع الناس بأهمية هذا القانون وتطبيقه، وإلا نعود الى سياسة الترقيع والمكبات العشوائية ومطامر تصل الى قدرتها الإستيعابية القصوى كل بضع سنوات".